أسدل الستار أمس على فعاليات النسخة الثانية من ملتقى “كتّاب الدراما” تحت عنوان “التصوّرات الكبرى في الدراما العربية بين راهن المضمون الفكري وأفق التجربة الجمالية”. والذي نظمته وزارة الثقافة والرياضة على مدار يومين بفندق مسيلة وحضره نخبة من الكتّاب والنقّاد من قطر ومن ١٤ دولة العربية ومن دول المهجر. وفي هذا السياق قال حمد محمد الزكيبا مدير الثقافة والفنون ورئيس اللجنة المنظمة: إن الملتقى تضمّن نقاشات جادة وحوارات مفيدة ثرية. وحول جائزة الدوحة للكتابة الدرامية قال: لقد تم الإعلان عن الجائزة في الرابع والعشرين من أبريل الماضي وفتح باب استقبال المُشاركات مطلع مايو وأغلق باب استقبال المشاركات يوم ٣٠ سبتمبر، وقد تقدّم للجائزة ٨١٩ نصاً درامياً متنوعاً، منها ٣١٦ نصاً مسرحياً، بالإضافة إلى ٧٧ سيناريو تلفزيونياً، و٤٢٦ سيناريو سينمائياً، من ٢٩ دولة حول العالم، وقد تمت الاستعانة ب ١٢ محكماً بسبب كثرة المُشاركات والإقبال الكبير من قبل كتّاب الدراما على المشاركة بالجائزة، ولا تزال لجنة التحكيم تدرس النصوص وسيتم الإعلان قريباً عن الفائزين. وقد شهد اليوم الختامي للملتقى ٣ جلسات نقاشية بدأت من التاسعة صباح أمس واستمرت حتى الواحدة والنصف ظهراً. 5 توصيات للنهوض بالدراما العربية في ختام فعاليات “ملتقى كتّاب الدراما” قرأ الدكتور نزار شقرون التوصيات الخاصة، موضحاً أن هذا الملتقى عبّر عن نبض بعض من النخب العربية التي تعيش تحوّلات كبرى تخترق الشعب العربي، وهي التحوّلات التي لن يكون المُبدع بعيداً عنها. وحول إيجابيات هذا الملتقى أكد شقرون أنه وفّر بيئة جديدة تسمح للكاتب بالتحرّر من الأنماط الكتابية الملموسة والمعتادة والتقليدية، التي كرّستها نظرة المُنتجين وبعض الجهات لأهداف تتعلق برؤيتهم ونظرتهم للدراما بشكل عام. مضيفاً أن حرية الكتابة شرط جوهري في أي عملية إبداعية، فما بالكم بالكتابة الدرامية التي تشكّل وجدان الجماهير وتعكس الواقع الذي نعيشه يومياً، فلا يمكن أن تكون الإرادة حرة إن لم يكن الكاتب يتمتع بالحريّة. مؤكداً أن الدراما ليست معنية بعرض الصور السطحية، وإنما بتفكيك البنى العميقة، فالمشاركين بالملتقى استشعروا ضرورة رفد الكتابة الدرامية بالنقد، فهي بحاجة لأن تزود بالجانب النقدي لتحقق أفضل ما يمكن تحقيقه، فهو ضرورة لرفع مستوى الكتابة الدرامية. ووصّى الملتقى استحداث ورشات مُتخصّصة لكتّاب الدراما الشباب للارتقاء بكتاباتهم وتعزيز حضورهم، واستحداث صيغ جديدة للملتقى تُخفّف من البعد النظري على أهميته وتضاعف عرض التجارب لكتاب الدراما وتعزّز الجانب التفاعلي بين المتدخّلين، تقديم تجارب إبداعيّة شابة لتشخيص وضعيّة الكتابة الدراميّة لدى الأجيال الجديدة. التنسيق مع المنابر المختصّة لنشر أعمال الملتقى وتخصيص محور دائم حول قضايا الدراما، والدراسة الميدانيّة للتحوّلات الحاصلة في المجتمعات بالتنسيق مع الجهات المتخصّصة، على الصّعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي لتطويع نتائجها في بناء النّصوص الدراميّة. تنميط التصورات في الدراما العربية جاءت الجلسة الأولى تحت عنوان “تنميط التصوّرات في الدراما العربية” أدارها سعد بورشيد وتحدّث فيها كل من هشام عبد الحميد، ود.حنان قصاب وعبد الكريم قادري. وافتتح الحديث الفنان المصري هشام عبد الحميد بورقة بعنوان: “الشخصية الدينية بين التلميح والتصريح” مُقدماً مدخلاً تعريفياً للفن، وقراءة في مقولة “الفن للفن.. والفن للمجتمع”، وعرج عبدالحميد لبعض الإكراهات التي واجهت بعض المُخرجين الكبار أثناء تصديهم لأفلام تاريخية ذات طبيعة دينية، والعراقيل التي واجهوها في ذلك. ثم تحدّثت د. حنان قصاب من لبنان، عن “علاقة الدراما الواقع”، وناقشت مسألة انعكاس الدراما على الواقع، أو العكس، وانتقال ذلك من السينما إلى التلفزيون، وتأثر أجيال بما تم تقديمه من مسلسلات اجتماعية أو كرتونية. ونبّهت قصاب إلى خطورة مسلسلات الويب التي تنفلت من الرقابة والتي ستؤثر على جيل بأكمله، أكثر من تأثير المدرسة والعائلة، مُناشدة بعدم إهمال جيلٍ من الدراميين الذين لهم وعي اجتماعي وثقافي وفكري. كما تطرّقت إلى مسألة تقليد الواقع، ومُحاكاته، ثم دور التمويل في الدراما. وبدوره تحدّث الباحث والناقد الجزائري عبدالكريم قادري، عن “صورة الآخر بين التهميش والقبول”، حيث سرد بعض المشاهد الافتراضية التي بالإمكان أن تحدث هنا وهناك، لتسهيل عملية تفسير وجود الدراما في المجتمع، وإثبات أنها تشكّل أحد المقومات الرئيسية في يومياته. وأثناء حديثه عن صورة “الآخر” في السينما العالمية، أوضح قادري، أن السينما قبل أن تكون فناً من الفنون، تسلي الجمهور وتثقفه، أكد أنها أداة إعلامية ودعائية ضخمة، يمكن من خلالها توصيل أو إبراز فكرة سياسية، أو إيديولوجية معينة، لم تقدر عليها الأدوات التقليدية، وبالتالي تحوّلت السينما مع الوقت، إلى أكثر الأدوات التي تستعملها الدول لتلوين وتزيين أفكارها، من أجل إيصال ما تجده مناسباً لها ولأفكارها، وتكريس صورة معيّنة لهذا “الآخر” الذي يختلف معها. ولفت إلى أن الآخر، عمل قدر الإمكان على تشويه الشخصية العربية في أفلامه، وتقديم صورة نمطية عنه ووسمه بعدد من النعوت والصفات القبيحة والتي لا تمتّ للحضارة بأي صلة. بالمقابل، فإن صورة “الأخر” في السينما العربية ، كانت مُنصفة، وقدّمته كما هو. إلا أنها سقطت في تكريس صورة العربي، والبدوي خصوصاً وأصبحت امتداداً للسينما الغربية. خصوصية التراث في السينما العربية تحت عنوان”خصوصية التراث في السينما العربية” أدار د. أحمد عبد الملك فعاليات الجلسة الثانية، والتي شارك فيها عدنان مدانات وعبد الله بوشراكي. فناقشت ورقة المخرج والكاتب الأردني عدنان مدانات حول “خصوصية التراث في السينما العربية”، تحدّث خلالها عن خصوصية التراث وكيفية الاستفادة منه في كل حقل إبداعي، كل على حدة، مشيراً إلى أن الإشكالية الأكبر تتجسّد في أن الفن المُعاصر يقوم على أسس تقنيات علمية مُعاصرة، نشأت في ظل العالم الرأسمالي، وتحديداً في القرن العشرين، لافتاً إلى بعض التجارب الدولية في استلهام التراث مثل الدراما اليابانية. وفي السياق ذاته تناول الناقد الجزائري عبدالحليم بوشراكي أستاذ الدراما والنقد في جامعة قسنطينة في ورقته المعنونة ب”الصورة التراثية وعصرنة الذائقة الجمالية في المسرح العربي”، أهم المحطات التاريخية في المسرح العربي، مؤكداً حرص الدراما العربية بشكل عام على ولوج عالم التراث والاحتفاء به، حيث اهتم المسرح في بداياته بتقديم مسرحيات من الأعمال الكلاسيكية الإغريقية، ثم مع ازدهار حركة الترجمة في بداية أربعينيات القرن الماضي نقل المسرحيون العرب عبر الترجمة أهم الأعمال الأوروبية للمشاهد العربي، وبعدها حاول المسرحيون استنبات نموذج مسرحي بديل عن المسرح الغربي، عن طريق حركة الترجمة ونقل المؤلفات من محيطها الأصلي إلى فضاء عربي تحكمه اللغة والشخصيات والفضاء الجديد، ولكن تغير الوضع بعد حرب يوينو1967، التي فجّرت القدرة الكامنة عند الكاتب العربي، فلجأ المسرحيون العرب إلى المسرح الملحمي. ونوه بوشراكي إلى أن المسرحيين انغمسوا في استلهام التراث العربي القديم بدواعي تأصيل الظاهرة المسرحية عربياً، فنقلوا أحداث الماضي وبطولاته وحكاياته وحاولوا جاهدين تبرير وجود أشكال مسرحية تراثية في ماضيهم على امتداد قبلي أو مواز للمسرح الغربي. فتح مسارات جديدة للكتّاب العرب عَقد الملتقى جلسة نقاشية خاصة حول “جائزة الدوحة للكتابة الدرامية” التي انبثقت عن ملتقى كتّاب الدراما الأول، تحدّث خلالها الدكتور مرزوق بشير، رئيس لجنة أمناء جائزة الدوحة للكتابة الدرامية، أبرز فيها تطلع الجائزة إلى فتح مسارات جديدة، وإزالة العوائق أمام الكاتب العربي، لافتاً إلى أن لجنة تحكيم الجائزة، تتمتع بالاستقلالية. وأعرب عن تطلعه إلى صعود جيل من الأفكار الجديدة التي تصب في مصلحة الدراما العربية التي أصبحت مؤثراً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، “فهي الدبلوماسية الناعمة لأي ثقافة من الثقافات، وهو ما يتطلب كاتباً جريئاً يتجاوز الثابت إلى المُتحرّك، والأخذ بالأمة إلى مناطق جديدة”. ووصف الجائزة بأنها أهداف مُحدّدة، وأنها تمّت بطريقة شفّافة، ولا تفرّق بين مُبدع عربي وآخر. وقد دعا الدكتور مرزوق بشير الحضور في الملتقى لتقديم اقتراحاتهم وتوصياتهم من أجل تطوير جائزة الدوحة للكتابة الدرامية، كاشفاً عن تنظيم اللجنة لمؤتمر صحفي بعد إعلان النتائج، ليتم من خلاله باستفاضة استعراض الإيجابيات والمُخرجات التي حققتها الجائزة. أما الدكتور محمد مديوني، عضو لجنة تحكيم جائزة الدوحة للكتابة الدرامية فأشار إلى أن كاتب الدراما لابد أن تكون له رؤية مُغايرة ومُختلفة، وأن ينقل الصورة بشكل غير تقليدي، مع الالتزام بقيم الإنسان المبنية على تقارب الشعوب وتعزيز قيم السلام. وقالت فاطمة الرميحي، عضو لجنة تحكيم بالجائزة: إن أعضاء اللجنة فوجئوا بالعدد الكبير الذي تقدّم للجائزة، متمنية أن تسهم الجائزة في تعزيز الإبداع العربي في مجال الدراما.