تواصلت فعاليات اليوم الوطني 2024، التي تقيمها وزارة الثقافة في المقر الدائم لدرب الساعي بمنطقة أم صلال خلال الفترة من 10 – 21 ديسمبر الجاري.

وتشهد الفعاليات إقبالًا كثيفًا من المواطنين والمقيمين، وتعيش العائلات بصحبة أبنائها أجواء وطنية استثنائية، مستمتعين بالفعاليات والأنشطة والمسابقات المختلفة.

ومنذ انطلاق الفعاليات وحتى اختتامها على مدار اليوم يتوافد الزوار على درب الساعي، وسط ردود أفعال إيجابية من الجميع تجاه ما توفره اللجنة المنظمة من خدمات للتيسير على الجمهور لحضور الفعاليات.

 

متحف الفريج

يقدم “متحف الفريج” في درب الساعي بانوراما خاصة حول أجواء الفرجان في قطر قديمًا وطبيعتها، وكذلك المهن الشعبية القديمة التي ارتبطت بكل منطقة، وذلك من خلال مجسمات تظهر هذه المهن والأجواء.

وقال السيد عبد الرحمن الملا صاحب “متحف الفريج”: سعيد بالمشاركة في درب الساعي، ونقدم من خلال المجسمات المصغرة رؤية طبيعية للحياة في قطر قديمًا، والاطلاع على العادات والتقاليد والحرف والمهن التي كانت في مختلف الفرجان، مشيرا إلى أن هذا المتحف يشارك به في تقديم التراث القطري، خاصة الحرف، لتعريف الأجيال بالتراث.

وأضاف أن المتحف يتضمن مجسمات لكثير من الحرف القديمة، مثل صيد السمك وصناعة ما يتعلق به من أدوات مثل القراقير، التي تُصنع من سعف النخيل أو الخوص (الحطب)، أو من الأسلاك المستوردة من الهند، وكانت معظمها بيضاوية الشكل وهي ذات مدخل قمعي الشكل (فك)، ينتهى طرفة الضيق في الداخل لمنع هروب الأسماك الالياخ أو الغزول، و(الشباك الخيشومية) وكانت تصنع من الخيوط القطنية والكتانية المستوردة من الهند وإفريقيا والعوامات (الكرب)، وكذلك الأثقال التي كانت توضع على الحبل السفلي من الشبكة، وكانت عبارة عن قطع من الأحجار.

كما يظهر المتحف صناعة السفن قديمًا في قطر والخليج، والتي شكّلت حرفة مهمة عُرفت محليا باسم “القلافة”، حيث صناعه السفن متوسطة الحجم التي تُستخدم في صيد الأسماك، والأحجام الكبيرة، وفي الغوص على اللؤلؤ، وهي مهنة تناقلها فنانون وصناع ومهندسون مهرة، تعلموا فن وصناعة السفن خلال التعلم من الصُّناع الأقدم أو بالوراثة، لافتا إلى أن أهم أنواع السفن: “البوم – البقلة – البتيل – الصمعة – السنبوك – الشوعي” وغيرها، أما أنواع الخشب التي كانت تُستخدم في صناعة السفن فمنها “الساج – الخيزران – الجنقلي الميط – القرط – الساري” وغيرها، ومن الأدوات التي كانت تُستخدم في صناعة السفن “الجدوم – المجدح – زيت الصل – الفتايل – المطرقة – الرندة”.

كما يسلط المتحف الضوء على صناعة الخوص وهو سعف النخيل، وقد كانت تصنع منه أشياء كثيرة في الماضي، منها الحصير الذي يفرش في البيت والجفير، و”الزبيل” الذي استخدمه البناؤون والصيادون في أعمالهم، كما تصنع منها السفرة وهي دائرية الشكل التي يُوضع عليها الأكل أو الطعام، كما يصنع منه المنسف وهو وعاء واسع عميق لتنظيف الأرز، وتصنع منه المهاف ومفردها (مهفة) وهي مروحة الهواء اليدوية، كما يُصنع منه المخام وهو عبارة عن مكناس ومفرده (مخمة) ويستخدم في تنظيف الغرف.

وأضاف السيد عبد الرحمن الملا أن المتحف يقدم بانوراما لطبيعة الفريج والأجواء التي كانت سائدة، مثل وجود قهوة شعبية، وكذلك المخبز، وأيضا مهنة المحسن (المزين)، أي صورة مصغرة من الحي القطري القديم.

 

الأكلات الشعبية

تحظى الأكلات الشعبية بدرب الساعي باهتمام كبير من قِبل الزوار من المواطنين والمقيمين، حيث خصصت اللجنة المنظمة لاحتفالات اليوم الوطني قسمًا للأسر المنتجة، التي تعد الأكلات من الموروث الشعبي للقطريين مثل خبز الرقاق والهريس والبلاليط وغيرها من المأكولات المختلفة، ووجد الزوار في التجربة جانبًا مُميزًا يُضاف إلى تجاربهم العديدة منذ بداية انطلاق احتفالات اليوم الوطني بدرب الساعي، وجذبت الأكلات الشعبية مُختلف الزوار وكافة الأعمار، حيث تميزت بمذاق خاص؛ كونها من مظاهر الاحتفاء بالتراث واستدعاء الماضي لتعريف النشء بجانب مهم من حياة أهل قطر قديمًا.

ووفَّرت اللجنة المُنظمة لاحتفالات اليوم الوطني العديد من المتاجر التي وزعت على مُختلف أنحاء درب الساعي وتُقدم الخدمات للجمهور، بالإضافة إلى المأكولات والمشروبات الساخنة والعصائر، فضلًا عن الأكلات الشعبية التي تُعد بأيدي سيدات قطريات من الأسر المُنتجة، مثل: “خبز الرقاق والهريس والمضروبة والمرقوقة والنخّي”، والعديد من الأطباق الشعبية الأخرى.

وتتميز متاجر درب الساعي هذا العام بالتنوع الكبير في الأطعمة والمشروبات الساخنة والمبردة، حيث حرصت اللجنة المُنظمة على إتاحة فرصة المُشاركة لأكبر عددٍ من المطاعم والمقاهي المحلية، كما حرصت على توفير أماكن للأسر المُنتجة، خاصة أن الإقبال كبير منذ اليوم الأول لاحتفالات اليوم الوطني بدرب الساعي، ما يُتيح الفرصة أمام الأسر المُنتجة والمتاجر المُشاركة في هذا العام لتحقيق المكاسب، والتعريف بأنواع الأكلات الشعبية القطرية.

 

مركز قطر للتصوير

يتضمن جناح مركز قطر للتصوير في درب الساعي مجموعة من معارض الصور، التي تعرض وتوثق جوانب متنوعة من تاريخ وتراث دولة قطر وإنجازاتها في المجالات المختلفة، كما تظهر الجانب الثقافي والموروث الشعبي للقطريين.

وقام المركز بإنشاء معرض بالقرب من مسرح درب الساعي يضم مجموعة من اللقطات التي تبرز مختلف جوانب الحياة في البلاد، وتصاميم الأبنية ذات الطراز المعماري المميز.

ويضم جناح المركز معرضًا آخر يبرز عبر مجموعة من الصور جمال المباني الحديثة والتراثية وأماكن التسوق والمتنزهات والأحياء التي تحتضنها مدينة الدوحة، حيث تُعرف دولة قطر بنهوضها الكبير في السنوات الأخيرة، وتحولها إلى وجهة عالمية مزدهرة تتميز بالمباني والتصاميم المعمارية الرائعة.

أما معرض الحياة الفطرية فيسلط الضوء على التنوع البيولوجي الغني وجمال الطبيعة في قطر عبر مجموعة من الصور التي تعكس الجمال المدهش للحياة الفطرية، وتتميز دولة قطر بتنوع بيئي كبير تعيش فيه مجموعة واسعة من الحيوانات والنباتات الفريدة، ويقدم هذا المعرض صورًا استثنائية لهذه الكائنات الحية ومواطنها الطبيعية الرائعة.

إلى جانب ذلك يوجد في جناح مركز قطر للتصوير معرض الطبيعة، الذي يقدم مجموعة من الصور التي تتنوع فيها المناظر الطبيعية في قطر بشكل جميل، ويعد فرصة للزوار لرؤية الطبيعة واكتشاف الصحاري الرملية والمسطحات الخضراء، ويهدف المعرض إلى زيادة الوعي بجمال الطبيعة في قطر وتعزيز أهمية حمايتها والحفاظ عليها.

أما معرض التراث فيسلط الضوء على تراث دولة قطر عبر الصور الفوتوغرافية، حيث يعتبر التراث القطري جزء مهمًّا من هوية المواطن القطري، ويحتفظ هذا التراث بتاريخ وثقافة البلاد، ويعكس قيم وتقاليد الشعب القطري، ويعزز الانتماء الوطني والاعتزاز به، كما يوفر فرصًا للأجيال القادمة للاستفادة من الماضي والتعرف على تاريخ قطر.

وهناك معرض “قطر الحضارة والتراث”، حيث يخلق جمال الطبيعة وثراء الحياة الفطرية وتكاملها مع التطور العمراني الحديث الممتد عبر تراث الماضي والمتصل بالحاضر توليفة فنية تأخذ المصورين إلى عالم من الخيال الواقعي، ليوثقوا هذا التناغم الفني والفكري من خلال عدساتهم، وليسحروا زوار المعرض بأجمل ما أبدعت به كاميراتهم من صور بصرية تشكل معرضًا فنيًّا ساحرًا.

 

ندوة التكافل المجتمعي

ضمن فعاليات اليوم الوطني في درب الساعي، نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ندوة بعنوان “التكافل المجتمعي”، وتحدث خلال الندوة الداعية الدكتور عبد المعين القحطاني إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأدارها الداعية الدكتور يحيى بطي النعيمي.

وأكد الدكتور عبد المعين القحطاني خلال الندوة على أن الإسلام دين شامل جاء لتنظيم شؤون الحياة كافة، وحرص على بناء مجتمع متماسك يقوم على مبادئ التعاون والتراحم، موضحًا أن الإسلام وضع منظومة متكاملة من القيم والتشريعات التي تهدف إلى تحقيق التكامل المجتمعي، بحيث يصبح المجتمع وحدة متناسقة يعمل أفراده لتحقيق الخير العام للمجتمع.

وأوضح القحطاني أن الإسلام اعتمد عدة مبادئ لتحقيق هذا التكافل منذ انطلاق الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة، فكان مبدأ الأخوة والتآخي، لتحقيق التكامل بين أفراد المجتمع، كما جسد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المبدأ من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، مما أسهم في بناء مجتمع متماسك قائم على المحبة والتآلف.

وأضاف أن من المبادئ التي اهتم بها الإسلام لتحقيق التكافل أيضا التعاون على البر والتقوى، حيث دعا إلى التعاون في كل ما يعود بالنفع على الأفراد والمجتمع، منوها بإرساء الإسلام لمبدأ التكافل الاجتماعي؛ لضمان سد احتياجات الفقراء والمحتاجين، فقد فرض الزكاة باعتبارها ركنا من أركانه، وأمر بالصدقة والإحسان، وأكد النبي -صلى الله عليه وسلم- على أهمية رعاية الفقراء والمساكين بقوله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

وشدد الداعية الدكتور عبد المعين القحطاني على أن الإسلام اهتم باحترام الحقوق والواجبات وتحقيق العدل واحترام حقوق الأفراد.

وأوضح أن التكافل لا يشمل أبناء منطقة واحدة أو حتى دولة واحدة، ولكنه يشمل العالم الإسلامي، وأن على كل قادر أن يكون داعمًا لإخوانه في البلدان الأخرى التي تتعرض لأزمات، تأكيدًا على وحدة المسلمين، مشيدا في هذا الشأن بتكاتف المجتمع القطري وسعيه دائما إلى نصرة إخوانه في مختلف البلدان سواء في فلسطين، أو السودان أو لبنان أو غيرها من بلدان العالم، لافتا إلى أن كل فرد عليه واجب أخلاقي في هذا الشأن حتى لو كان التكافل بالقليل؛ لأن تطبيق القيم والمبادئ التي أقرها الإسلام لتحقيق التكافل مسؤولية جماعية على الأفراد والمجتمعات لضمان استقرارها وتماسكها.