أعلنت اللجنة المنظمة لفعاليات اليوم الوطني 2024 عن تمديد فعاليات اليوم الوطني للدولة في درب الساعي حتى يوم السبت المقبل الموافق 21 ديسمبر الجاري.

وتواصلت الفعاليات التي تقيمها وزارة الثقافة في المقر الدائم لدرب الساعي بمنطقة أم صلال خلال الفترة من 10 – 21 ديسمبر الجاري.

وتشهد الفعاليات إقبالًا كثيفًا منذ انطلاقها الثلاثاء الماضي، وتحرص العائلات من المواطنين والمقيمين على اصطحاب أبنائهم من أجل الاستمتاع بالأجواء، وممارسة الأنشطة المختلفة، حيث يضم درب الساعي باقة متنوعة من الفعاليات تناسب جميع الأعمار، وتتضمن أنشطة ومسابقات ثقافية وحركية مختلفة.

 

 المطوع يستحضر عراقة التراث

ووسط أجواء مفعمة بالتراث وحب الوطن، يصدح الفنان محمد حسن المحمدي الشهير بـ”المطوع” في فعاليات اليوم الوطني للدولة 2024 بدرب الساعي بمعانٍ راقية، يستحضر من خلالها عراقة التراث الأصيل، وسط تفاعل لافت من جانب زوار درب الساعي، من العائلات، خاصة الأطفال.

ويعرب الفنان محمد حسن المحمدي عن اعتزازه بالمشاركة في هذه الفعاليات؛ كونها من الفعاليات المهمة، التي تستحضر عراقة التراث القطري الأصيل، وسط أجواء واحتفالات وطنية، تبرز للزائرين قيمة الفن الشعبي، علاوة على عراقة العادات والتقاليد الراسخة في ذاكرة المجتمع.

ويؤكد حرصه على القيام بشخصية “المطوع”، الذي يقدم للأطفال تراثهم العريق، ويقوم بتوعيتهم به، وأنه أول من قام بأداء هذه الشخصية، “التي غابت عن الساحة بعد ظهور البترول، وكان لي الشرف بأنني أول من قدمها، ودائمًا أحرص على تقديمها وقتًا بعد الآخر؛ كونها من أكثر الشخصيات التي أقدمها”، لافتًا إلى أنه ظل حريصًا منذ سنوات عديدة على المشاركة في فعاليات درب الساعي، انطلاقًا من واجب وطني، وتأكيدًا للهوية الوطنية.

وشخصية “المطوع مهمة في حياتنا، ولها تأثير كبير في تراثنا القطري الأصيل؛ لذلك أحرص على تجسيدها، توثيقًا للتراث القطري العريق، وحفاظًا عليه من الاندثار، وإحياءً له في أوساط الجيل الحالي، والأجيال القادمة”.

ويقول: أحرص على تطوير أداء هذه الشخصية وقتًا بعد الآخر، ولا أقول مناسبة بعد أخرى، كما أحرص دائمًا على إحياء هذه الشخصية، وحمايتها من الاندثار، والذي أعمل جاهدًا على الحفاظ على هذا التراث، وإحيائه لدى الجيل الحالي، وربطه بتراثه، ومن ثم غرس العادات والتقاليد الجميلة والشعبية في نفوسهم، خاصة أن هذه الشخصية ما زالت محفورة في ذاكرة أبناء الوطن.

ويوضح أن “المطوع” كان يقوم بدور في تعليم الأطفال قراءة القرآن الكريم في القرية، وذلك قبل ظهور النفط، علاوة على تعليمهم بعض دروس المناهج التعليمية، وعندما يختم الأطفال القرآن الكريم، يقوم المطوع بتنفيذ التحميدة، وتعني الاحتفاء بهؤلاء الأطفال الذين ختموا القرآن الكريم، وبعدها يقوم الأطفال الذين أتموا حفظ القرآن الكريم بارتداء البشت والغترة والعقال، ويتم إعطاؤهم سيفًا صغيرًا، دليلًا على الرجولة، ثم يصطحبهم المطوع وهم في المقدمة، وخلفهم بقية أطفال القرية، ثم يدعو المطوع لمن أتم حفظ القرآن، ثم يؤمّن على دعائه بقية الأطفال من خلفه، وذلك في أجواء تراثية.

 

الصقار الصغير

تشهد فعالية الصقّار تفاعلًا جماهيريًّا كبيرًا مع الأنشطة المختلفة التي تطلقها يوميًّا في درب الساعي، وقال السيد محمد سعيد الكبيسي مشرف الفعالية: إن الفعالية تشهد إقبالًا كبيرًا من قبل زوار درب الساعي، حيث يتعرفون على هذا الجانب من الحياة الذي كان وما زال جزءًا من حياة القطريين حتى يومنا هذا، وأضاف: تتضمن الفعاليات التي ننظمها الرسم على الوجه وتغذية طائر الحباري من خلال فتحات صغيرة بالأقفاص دون لمس الطيور ذاتها، بالإضافة إلى توفير عدد من أنواع الطيور الجارحة لإتاحة فرصة التصوير معها من قِبل الزوار.

وأضاف: لدينا أيضا مشاركة في براحة الأطفال من خلال قسم لتلوين أدوات المقناص والطير مثل البرقع والدس الذي يرتديه الصقار أثناء حمل الطير، ورسومات لطيور جارحة تستخدم في الصيد، علما أن الأطفال المشاركين يحصلون على الرسمة التي يقومون بتلوينها من خلال هذه الفعالية. وأشار الكبيسي إلى أن المشاركة تتضمن أيضًا كلاب الصيد، ويسمح للجمهور باقتيادها في جولة حول منطقة الفعالية.

وحول الاهتمام بموروث الصيد بالصقور، أكد الكبيسي على أن اهتمام دولة قطر بهذا التراث ليس حديثًا، لكنه قديم ومتواصل، والمشاركة في فعاليات اليوم الوطني تجسيد لتواصل الاهتمام بهذا الجانب المهم من حياة أجدادنا وحياتنا اليوم، وأضاف أن أهلنا الأوائل من الصقارين القدامى كانت لهم صولاتهم وجهودهم في هذه الهواية، لكنهم كانوا يعرفون حدود الصيد فكانوا يتوقفون عنه في موسم التزاوج، ولا يكلفون الطائر بصيد أكثر من مقدور حاجته، فكانوا يمارسون الهواية بفطرتهم السليمة للحفاظ على البيئة، وأضاف أن هناك العديد من الإنجازات التي تؤكد الاهتمام بموروث الصقارة؛ مثل: جمع الكتب والوثائق والمخطوطات والصور والمواد المكتوبة والمسموعة والمرئية، وتوثيق التاريخ الشفهي المتعلق بهذا الإرث القطري الذي يعد جزءا من التراث العالمي.

 

فرق الفنون الشعبية

تشهد فعاليات درب الساعي، المقامة احتفالًا باليوم الوطني لدولة قطر، حضورًا مميزًا لفرق الفنون الشعبية، التي تُقدم عروضًا فنية متنوعة تُبرز التراث القطري الأصيل، وتُعيد إحياء الفنون التراثية التي تُعبّر عن هوية المجتمع وتاريخه العريق.

وفي هذا السياق، قال النهّام القطري عمر بوصقر: “نقدم فنًّا كان يُغنى قديمًا على سيف البحر، حيث اعتاد البحارة عند عودتهم أن يُرددوا الأهازيج والعبارات التراثية مثل (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) احتفاءً بسلامة العودة، وكان هذا الطقس يمثل تفاعلًا روحيًّا وتراثيًّا في حياة البحارة القطريين”.

وأشار إلى أن إحياء هذا النوع من الفنون في درب الساعي يسهم في تعريف الأجيال الجديدة بتراثهم البحري الغنائي، مُضيفًا: “نحن اليوم، من خلال هذه الفعاليات، نسعى لإدخال البهجة إلى قلوب الجمهور والزائرين، ونعمل على تعزيز الارتباط بتاريخنا وتراثنا الغني”.

ولفت بوصقر إلى أن المشاركة اليومية لفرق الفنون الشعبية في درب الساعي تأتي في إطار حرص القائمين على الفعالية على إبراز التنوع الثقافي والفني الذي تزخر به قطر، مؤكدًا أن الفنون الشعبية ليست مجرد عروض، بل هي رسائل ثقافية تُعبّر عن هوية الوطن وتاريخه.

وأوضح بو صقر أن الجمهور والزوار يتفاعلون بشكل كبير مع العروض التراثية التي تُقدم، مشيرًا إلى أن حضورهم واهتمامهم يُجسد مدى ارتباط المجتمع القطري بتراثه الأصيل.

وتستمر فرق الفنون الشعبية في تقديم عروضها ضمن فعاليات درب الساعي، التي تُعد منصة ثقافية وتراثية تُتيح للزوار فرصة الاستمتاع بالفنون القطرية التقليدية والتعرف على ملامح الحياة القديمة، ما يرسّخ الهوية الوطنية، ويعزز الشعور بالفخر والاعتزاز بالتراث.

 

ندوة “قطر في إحصائيات عثمانية”

نظّمت دار الوثائق القطرية، ضمن فعاليات درب الساعي، ندوة مميزة تحت عنوان “قطر في إحصائيات عثمانية”، قدّمها الأستاذ الدكتور سهيل صابان، حيث استعرض نماذج من وثائق الأرشيف العثماني، التي تتناول جوانب مختلفة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في قطر خلال عهد الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، مؤسس الدولة الحديثة.

وأوضح الدكتور صابان أن هذه الإحصائيات العثمانية تضمنت تقديرات تقريبية لأعداد السكان في قطر، وعدد المساجد والكتاتيب التعليمية، إضافة إلى معلومات دقيقة عن مصادر الدخل وأبرز المدن والقرى والبيوتات القطرية، وبيّن أن هذه الوثائق تُعدّ مرجعًا مهمًّا لتوثيق تاريخ قطر، حيث تعكس الرفاهية الاقتصادية التي كان يعيشها أهل البلاد آنذاك، وهو ما يظهر من خلال استيرادهم السلع الكمالية وتحديد مصادرها وكيفية إنفاقها.

وأضاف أن هذه الوثائق تتضمن تقارير مفصّلة حول تجارة اللؤلؤ، وأنواع السفن المستخدمة في الغوص، إلى جانب إحصائيات عن السكان ومهنهم ومستويات دخولهم، بالإضافة إلى الجوانب الإدارية العثمانية التي كانت قائمة في المنطقة.

وخلال الندوة، استعرض الدكتور صابان نماذج من تقارير المبعوثين السياسيين العثمانيين إلى قطر.

واختتم الدكتور سهيل صابان حديثه بالتأكيد على ضرورة اهتمام الباحثين بدراسة وثائق الأرشيف العثماني بشكل مستفيض، لما يمثله من أهمية كبرى في كتابة تاريخ قطر، ودعا إلى مزيد من الجهود البحثية لاستكشاف كنوزه وإبراز ما يختزنه من معلومات تاريخية قيّمة.