لا شك أن لكل زمن وسائله وأدواته في المعرفة والنقاش والحوار وقد كان للصالونات الأدبية والفكرية أهمية كبرى، وانتشار واسع، وقد عرف تاريخ الأدب العربي ظاهرة «المجالس الأدبية» منذ القدم، وفي القرن العشرين انتشرت الظاهرة بصورة أكبر في العالم العربي متأثرة بنمط الحياة الثقافية الغربية وتحول «المجلس» إلى «صالون» أو مقهى يجمع نخبة من الأدباء والأديبات وتتابع جلساته الصحف وأقلام النقاد، فكان أشهرها صالون اللبنانية مي زيادة، وصالونات أخرى لطه حسين والعقاد والمازني وغيرهم.
لكن في زمن الإنترنت و «مواقع التواصل الاجتماعي» بدأت هذه المظاهر بالانـحسار وأصبحت نادرة إلا في بعض الأحيان، وفي قطر نشطت مجموعة من المبادرات في الاونة الأخيرة تخص المقاهي الثقافية.

أكد المبدعون أن هذه المقاهي الثقافية شريان ورافد رئيسي للإبداع ونشر المعرفي والوعي، لافتين إلى صمود هذه المقاهي في مواجهة زمن الانترنت ووسائل التواصل مؤشر على حيويتها ودورها الفعال في اكتشاف المواهب ونشر المعرفة

قال الناقد والاعلامي د. حسن رشيد «ان أهمية المقاهي الثقافية تكمن فيما تثيره من نقاش وحوار، بين روادها، الأمر الذي يكون من ثماره استقطاب أصحاب المواهب الشبابية لمثل هذه اللقاءات، ليروا كيف يدار الحوار، ويثار النقاش، حول مختلف القضايا الفكرية والثقافية، وهو ما سيكون له انعكاساته الإيجابية على المشهد الثقافي، برفد هذا المشهد بإنتاج أدبي واعد.
وتابع د. رشيد: هذه المقاهي الادبية والثقافية، فكرة ليست جديدة وهي فكرة طيبة، تثير النقاش، وتولد الأفكار، وتثري المشهد الثقافي. داعيًا إلى أهمية التخلي عن الصورة الذهنية التي قد تكون لدى البعض بأن حضور المقاهي الأدبية، لابد أن يكونوا من النخبة، «فلابد للموهوبين أن يكون لهم حضورهم، باعتبارهم الجيل الصاعد إلى الساحة الأدبية».
إلى ما سبق قال د. حسن رشيد إن المؤلفين القطريين بحاجة إلى مثل هذه المبادرات لطرح منتجاتهم الفكرية في ظل غياب جمعية خاصة للكتاب القطريين على غرار جمعيات المهندسين واللغة العربية وغيرها من الجمعيات الخاصة..

بدورها اعتبرت الكاتبة آمنة السيد مبادرة الصالون الثقافي أو المقهى الأدبي متميزة تساهم في تشجيع المعرفة والحث على القراءة وتسهم في تعزيز نمو الثقافة المعرفية..
وأضافت أن المبادرة موزعة على عدة اقسام أو اختصاصات فمنها المختص في جانب أدبي أو ثقافي، لافتة إلى أن هناك ما هو متنوع ومتعدد الثقافة والاطروحات وهناك الصنف الثالث الذي أضيفت له القهوة أو الشاي أو مائدة العشاء ليكون زادًا ثقافيًا وزادًا غذائيًا..وكل له جمهوره.
وقالت آمنة «انضممت إلى مبادرتين هما صديقات الكتاب..وهم مجموعة متنوعة في الثقافة والعلم والمهنة والدرجة العلمية وحتى الأعمار والاتفاق يتم على اختيار 12 كتابا باستبيان سنوي بعد ترشيح الكتب من الأعضاء وما يتم الاتفاق عليه يتم قراءته من قبل الأعضاء بتقسيم الفهرس باختيار كل عضوة المجال الذي ترغب بقراءته في الفهرس.
وأضافت: أنه يتم تلخيص ذلك من العضوات الراغبات بالطرح في لقاء شهري يتم التحضير له في مكان هادئ أو كافيه أو منزل إحدى الأخوات، لافتة إلى أن مثل هذه اللقاءات تدعم التلاحم الاجتماعي، والثقافي بين المشاركات لان منهن الاكاديمية والطبيبة والتربوية والاعلامية وربة المنزل والداعية والطالبة الجامعية وغيرها من المجالات..
وتابعت: ساهمت من خلال مشاركتي في تشجيع المعرفة وتلخيص العضوات لمجالات الكتاب مما يوفر الوقت على القارئ لعدم وجود وقت أحيانًا مع العمل وكذلك يفتح الذهن للاطلاع على تجارب مختلفة وقصص تروى بجمالية وحكمة..ونترقب في كل مرة المكان الجديد والكتاب الأجمل أو الأحدث، لافتة إلى أنه يتم توزيع نسخة إلكترونية في مجموعة دردشة خاصة بذلك..ويتم الإبداع من خلال العضوات في طرح المجال في الكتاب بأسلوب المسابقة أو الأنشطة وتنوع الأساليب وتحديد وقت لكل عضوة لتوضيح وشرح المجال ثم تحديد وقت للتعليق أو المداخلات وهكذا..
وأعربت آمنة عن أملها بأن يتم دعم هذه المبادرات من قبل وزارة الثقافة بتحديد أماكن مجانية للقاء وكذلك عمل مسابقات لتشجيع المبادرات من الأشخاص، لافتة إلى أهمية نشرها في المدارس باختلاف مراحلها واضافتها في الحصص المكتبية والأنشطة المدرسية للطلبة والمعلمين والاداريين..وفي مؤسسات الدولة المختلفة.
من جانبه قال صالح غريب الاعلامي والكاتب ومدير البرامج بالملتقى القطري للمؤلفين: لا شك ان المبادرات الثقافية والندوات والامسيات الشعرية التي كانت تقام في القاعات الرسمية بوزارات الثقافة او اي جهة رسمية، نقلت مؤخرًا الى المقاهي العامة التي يقصدها عددًا كبيرًا من الزوار لشرب القهوة او الشاي او تناول الطعام الخفيف التي تقدمها هذه المقاهي.
وأوضح أن بعض المقاهي مثل مقهى في اللؤلؤة وضعت داخل المبنى مكتبة ثقافية يمكن للجمهور الجلوس فيها لشرب القهوة وقراءة الكتب وهي متنوعه وحضرت كثيرًا من الامسيات الشعرية والندوات الثقافية في مقاه عامة مثل مقهى في كتارا.
وقال «إن الزميل الكاتب جمال فايز افتتح مقهى في اللؤلؤة وقام بتحويله الى صالون ثقافي يقدم فعاليات اسبوعية والجميل في هذا المقهى انه صمم على شكل كتب ووضع اغلفه اصداراته في الطاولات التي تقدم فيها القهوة والشاي وتحويل المقاهي الى قاعات ثقافية ممزوجة بالمشروع الاقتصادي الذي يسعى له صاحب المقهى وهذا ليس عيبًا بل هو دعم الى النشاط الثقافي الذي تقدمه المؤسسات الثقافية مثل الملتقى القطري للمؤلفين ونادي الجسرة الثقافي وغيرها من هذه الجهات التي تسعى الى توسيع عدد الحضور لتلك الفعاليات وان تذهب الى هذه الفئة امر طيب من تلك الجهات وتجربة الملتقى في نظري ناجحة لتوسيع عدد الحضور للفعاليات التي يقدمها الملتقى القطري للمؤلفين.
وأشار إلى أن هذه المبادرة مهمة وناجحة وأن الهدف منها ايصال الفعل الثقافي الى الجيل الذي يقصد المقهى للجلوس والتسامر وتناول القهوة والشاي ومن ثم الاستماع الى ندوة او محاضرة او امسية شعرية تضيف له ثقافة جديدة مختلفة عما سوف يجدها الذي جلس في المقهى فقط «يسولف» في امور الكرة او اي مجال اخر .
وأضاف غريب: هناك الان مجالس يقيم اصحابها ندوات وجلسات ومناقشات ويقصدها الكثير من الشخصيات الثقافية وهذا دور جديد للمجلس وان كان ذلك قائمًا في السابق أيضًا.
وقالت سمية المطوع الكاتبة والباحثة في علم النفس التي حضرت العديد من الصالونات الثقافية وشاركت مؤخرًا في مبادرة «فنجان قهوة وكتاب» التي قدمت من خلالها قراءة في أحد كتبها، وثمنت الكاتبة الفكرة وطالبت بتعميمها على المقاهي التي تتوفر على جلسات جميلة وجاذبة للجمهور.
وأضافت المطوع: الصالونات الثقافية بيئة صحية نافعة لتهذيب الأفكار وتعزير الآراء وتطويرها إذا أُحسن إدارتها ورعايتها لتنتظم وتتوسل بتقاليد راقية تدفع باتجاه أهداف المجتمع وطموحه نـحو الاستقرار والرقي»، لافتة إلى أهميتها في استقطاب المواهب والمهارات الأدبية والفكرية، ودافع لظهور طبقة تمتهن المناظرة والحوار وآدابه، لبلورة رؤى شمولية للمحتوى الفكري والثقافي، والمقاهي الثقافية جناح مهم للعمل الثقافي والمثاقفة المجتمعية.
وعن أهمية المقاهي الأدبية قالت المطوع: إن الصالونات أو المقاهي الثقافية تحظى بأهمية كبيرة حيث أنها تثير النقاش والحوار، بين روادها، وتستقطب المبدعين والموهوبين.
وقال ناصر النعيمي صاحب مقهى «فلات وايت» التي تحتضن العديد من الجلسات الأدبية إن المبادرة التي يقدمها المقهى بالشراكة مع مجموعة من الجهات، وجاءت من ايماننا بأن المقهى يجب أن يكون جزءاً أساسياً من حياة المثقفين والمبدعين، ويصبح مكانًا لا ينفصل عن النتاج الإبداعي العام.
وتابع: إن انتشار المقاهي الأدبية في دولة ما يعد دليلًا على تطور الحركة الأدبية وازدهارها، وهي مظهر من مظاهر إثراء الحركة الأدبية، وخصوصًا إن كانت تلك الصالونات مفتوحة على المجالات جميعًا، كون الأدب مرتبطًا بأدق التفاصيل في حياة الناس.
وأضاف: من هذا المنطلق نقوم بتنويع النشاطات، ونتعاون مع الملتقى القطري للمؤلفين في تنظيم مبادرة فنجان قهوة وكتاب، التي يقوم من خلالها الكتاب بتقديم انتاجهم الفكري والأدبي للجمهور مباشرة حيث تخلق تلك اللقاءات التي يجلس فيها الضيوف من المثقفين والمبدعين خطابات فكرية بين الحضور، لافتًا إلى تنظيم العديد من الورش في صناعة الفخار والرسم والخط العربي، وتعد نافذة هامة تطل على آفاق الحوار البناء وتبادل الأفكار في المجتمع.
وأوضح أن هذه الأنشطة تحتفي بالرموز الثقافية والفكرية والاجتماعية في المجتمع، ويتم توثيق تجارب المبدعين والإفادة من مسيرة حياتهم ونشرها في المجتمع للاقتداء بها.