بحضور سعادة الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، وزير الثقافة، عقدت ندوة «تاريخ الأندلس» وهى الفعالية الخامسة، ضمن موسم الندوات الذي تنظمه الوزارة في نسخته الثانية، بالتعاون مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومكتبة قطر الوطنية.
شارك في الندوة كل من الناقد والروائي الدكتور نزار شقرون مستشار ثقافي بوزارة الثقافة، وعدد من أعضاء فريق برنامج «همة» الذي أنتجته وزارة الثقافة مؤخرا حول التاريخ الأندلسي، وهم الإعلامي والشاعر السعودي بدر لامي والإعلاميان القطريان سعود الكواري ومحمد الشهراني، وأدارت الندوة الإعلامية إيمان الكعبي، مدير المركز القطري للإعلام بحضور جمع من الأكاديميين والمثقفين.
وقدم الدكتور نزار شقرون خلال الندوة ورقة علمية بعنون « أيّة ضرورة اليوم لدراسة التاريخ الأندلسي؟ (92هـ-711م/798هـ-1492م)، أكد خلالها أن العودة إلى التاريخ الأندلسي يشكل خطوة أساسيّة لفهم عناصر الهويّة العربيّة الإسلاميّة، حيثُ لا يُمكن إقصاء أكثر من ثمانية قرون من الحضارة خارج التفكير في الهويّة الحضاريّة للعرب اليوم، كما لا يُمكن أن يظلّ التراث الثقافي الأندلسي بعيدًا عن الأجيال العربيّة التي من حقّها أن تطّلع على الثروات الرمزيّة التي تركتها الحضارة الأندلسيّة في الحضارة العربيّة أوّلا وفي الحضارة الإنسانيّة ثانيا.
وقال: إننا بحاجة إلى نـحت خطاب جديد بشأن هذه الحضارة الثريّة يُمكّننا من الوقوف على مكوناتها ودورها في إبداع نموذج للتقدّم في فترةٍ كان فيها الغرب غارقًا في ظلماته، مشيرًا إلى أن المثقفين الإسبان تنبهوا مؤخّرا إلى إهمالهم لـ»الحضارة الأندلسيّة» بوصفها مكونًا من هويّتهم، فعادوا إلى دراستها، رغم أنّ معالمها ظاهرة في لغتهم وأنماط حياتهم وعمرانهم.
وأشار الكاتب الدكتور نزار شقرون، إلى أن كثيرًا من الكتاب الإسبان في القرن التاسع عشر قد عانوا من عواقب تناول الوجود العربي في إسبانيا بسبب سريان قانون محاكم التفتيش الذي ألغي عام 1824م، بينما تواصل العمل بمحتواه في أعراف المجتمع الإسباني لسنوات. ومن مظاهر ذلك المنع طرد المؤرّخ خوان أندريس Juan Andres من إسبانيا بسبب آرائه حول مزايا العرب فيها، فاستقرّ في إيطاليا ليؤلّف كتابه الموسوعي في ثمانية أجزاء عن الأدب المقارن والتاريخ العام وانتهى فيه إلى القول بأنّ كلّ ما تَدين به أوروبا من تطوّر حضاري في مختلف الآداب والفنون والفكر والعلوم هو من أثر الحضارة الأندلسيّة.
وأضاف أن الباحثين العرب تنبهوا إلى مزايا الدراسات الأندلسيّة مؤخّرا بعد اهتمام المستعربين الإسبان بالتراث الأندلسي، الذي ظلّ غائبًا عن التداول العلمي، بينما شاع التناول الرومانسي في الدراسات العربية لحضارة بلغت مرحلة الأطلال في الذاكرة الجماعيّة، وطغى الاهتمام بأسباب سقوط الأندلس على أسباب بلوغ الحضارة أوج ازدهارها.
ليس مجرد توسع جغرافي
وشدد شقرون على أن فتح الأندلس عام711م لم يكن مجرّد توسّع جغرافي أو نشرًا للدين الإسلاميّ فقط في شبه الجزيرة الإيبيريّة، بل كان منطلقًا لتأسيس حضارةٍ. ولم يكن مضيق جبل طارق مجرّد موقع تتصارع حوله قوى إقليميّة للسيطرة عليه، فقد ظلّ في ذاكرة العرب المسلمين رمزًا للخطوة التي قطعها طارق بن زياد في القرن الثامن للميلاد، ليدشّن «عصرًا جديدًا» حمل في داخله بذور الاختلاف والتميّز في الحضارة العربيّة الإسلاميّة.
وأشار في مداخلته إلى تأثّر الثقافة الأندلسيّة بالنتاج العلمي والفكري والأدبي للعرب المسلمين في المشرق.
وأوضح أنه على الرغم من تقلبات السياسة في الأندلس، من ازدهار وانـحطاط فإنّ الثقافة الأندلسيّة ظلّت قائمة إلى حين سقوط غرناطة، بفضل دور الحكّام في رعايتها، فقد لعب الحكّام في الأندلس دورًا أساسيّا في تطوير الآداب والفنون والعلوم أو في التضييق عنها أحيانًا، وساهمت الأوقاف من الحكّام أو من عامّة الناس في تشجيع طلاّب العلم ونشر الكتب وإنشاء المكتبات العامة في المدن الرئيسيّة مثل قرطبة وإشبيليّة وغرناطة، دون الاقتصار على المكتبات الخاصّة لتشكل المكتبات عاملاً أساسيّا من عوامل نهضة المجتمع الأندلسي في فترات ازدهاره.
وأوضح أن التعبيرات الأدبيّة والفكريّة في «العصر الأندلسي» اتصلت بسائر أنواع الآداب في المشرق، فقد جلب العرب الوافدون إلى الأندلس ما عرفوه من آداب سادت في المشرق العربي من فنون النثر مثل الخطابة والترسّل والمناظرات والمقامات وفنون الشّعر والموسيقى والغناء.
وشدد شقرون على العوامل الأساسية لاستمرار أكثر من ثمانية قرون من الإبداع الحضاري وأهمها العلم
كان العلمُ من بين أهمّ تلك المقوّمات، بالاضافة إلى نشاط ترجمة العلوم كما كانت النزعة العقلانيّة مقوّما أساسيّا في التفكير الفلسفي الأندلسي وقد أثّرت بشكل مباشر في عصر التنوير الأوروبي، كما أثّر مفهوم العمل عند الأندلسيين على تشكيل هويّتهم ومنحهم الكفاءة الإبداعيّة فأبدعوا في فنون العمارة و صناعات النسيج، باعتبار أنّ مغامرة الإنسان في الوجود تقوم على الجمع بين المعرفة والعمل، وهو ما تجلّى في كتاب «حيّ بن يقظان» لابن طفيل.
ودعا الدكتور نزار شقرون في نهاية حديثه إلى أهمية تأسيس مركز يعنى بدراسة الحضارة الأندلسية ليكون منطلقًا حضاريًا جديدًا.
وتحدث الإعلامي بدر لامي عن برنامج «همة» وقال إن البرنامج حاول الرد بشكل مبسط على الكثير من التساؤلات مثل ما سبب فتح شبه الجزيرة الأيبيرية، وماهي التحديات التي واجهت المسلمين عن الفتح؟ ليتم استيعاب تاريخ هذه المرحلة وكانت الفكرة من سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة، وذلك للتركيز على همة الرجال الذين فتحوا الأندلس انطلاقًا من الهمة التي وضعتها العقيدة الإسلامية في قلوب هؤلاء الفاتحين الذين لم يكن يتجاوز عددهم 7طبقًا لبعض الروايات 7 آلاف مسلم ولم يكونوا من العرب فقط بل من الأمازيغ أيضًا وانه لما تراخت همة الرجال سقطت الأندلس، وفي نفس الوقت العمل على تغيير بعض المفاهيم القديمة مثل قضية الفتوحات الإسلامية والتي لا تتوقف، بل هي مستمرة في كثير من المجالات خاصة العلوم والبحث العلمي فكل إنجاز في البحوث العلمية بحث علمي يساهم في العرب يعد فتحًا، لافتًا إلى أن النجاح في تنظيم كأس العالم في قطر 2022 كان من أهم الفتوحات المعاصرة.
وتحدث الإعلاميان سعود الكواري ومحمد الشهراني عن دورهما في الاعداد لبرنامج همة والمشاركة في تقديمه مؤكدين أن جهود فريق العمل برعاية وزارة الثقافة تضافرت لتقديم مادة علمية مصحوبًا بتصوير من ذات مواقع الأحداث لتقريب المعلومات إلى المشاهدين، مثمنين الثقة والرعاية التي منحتها الوزارة لفريق العمل.
كما تحدث أعضاء الفريق عن الصعوبات التي واجهتهم خلال رحلتهم إلى إسبانيا وتقديم البرنامج الذي يربط التاريخ بالثقافة المعاصرة.
وشهدت الندوة العديد من المداخلات كان أبرزها مداخلة الشاعر الدكتور حسن النعمة رئيس مجلس أمناء جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي والذي ثمن جهود وزارة الثقافة في تعزيز الثقافة المجتمعية، مشيرًا إلى أن اهتمام قطر بتاريخ الأندلس ليس حديثًا بل هو استلهام لإرث يرجع إلى تاريخ حاكم قطر الأسبق الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني الذي كان اول من وجه اهتمامات المنطقة العربية والخليج لدراسة الأندلس من منطلق إعجابه بتراثها، وكان ذلك في زمن شح فيه المعلومات، حيث حرص على الحصول على نسخة وحيدة من ديوان ابن دراج القسطلي والذي طبع على نفقته عام 1961.