شهد سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني، وزير الثقافة الفعالية الثانية لموسم الندوات 2023، والذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومكتبة قطر الوطنية.

جاءت الندوة تحت عنوان «الإرث الثقافي للمونديال »، وحاضر فيها سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، وأُقيمت في معهد الدوحة للدراسات العليا. كما حضرها سعادة الدكتور حسن راشد الدرهم، رئيس جامعة قطر، وعدد كبير من المثقفين والإعلاميين والمفكرين.

واستهل د. الكواري المحاضرة، التي قدمتها الكاتبة د. بثينة الجناحي، بالتأكيد على أن مونديال قطر شكل نقطة تحول عنده، وأدرك أهمية كرة القدم، وأنها ليست مجرد رياضة، بل يرتبط بها ملايين البشر، مما يجعل لها أبعادًا ثقافية واجتماعية تتخطى الرياضة، وأن ما حدث له من تحول في النظر إلى كرة القدم هو إدراك مشترك مع كثير من مثقفي العالم.

وثمن تناول موسم الندوات موضوعًا يتعلق بمونديال قطر، مثمنا هذا الاختيار الذي يعكس فهما للظواهر الثقافية التي تحتاج إلى دراسة واستفادة. واصفًا «الإرث الثقافي للمونديال» بأنه من الموضوعات المهمة التي تندرج ضمن قضايا الساعة الفكرية والثقافية.

وأكد سعادته أن المونديال لم يكن مجرد مناسبة رياضية عابرة بل هو منعطف تاريخي لدولة قطر وللعرب وللدول التي تسعى لرقي الحضارة الإنسانية. مشددًا على أهمية تفعيل مكتسبات نجاح المونديال على المستوى الثقافي، والتفكير فيما بعده، والنظر في محصلة هذا الإرث الثقافي الكبير الذي تم حصاده. وقال: إن أول ما يتجلى من أثر هذا النجاح الذي أبهر العالم هو إثبات القطريين لقدرتهم على خوض التحديات وكسبها على منوال ما قام به الأجداد حتى صارت استجابتهم لما يعترضهم منها جزءاً من شخصيتهم الوطنية، فقد أبهر القطريون العالم بأسره بالتنظيم المحكم وبالإنجازات الضخمة التي شملت البنية التحتية، وهو ما سيبقى علامة فارقة لأجيال من القطريين في العقود القادمة. وتابع: إن فضيلة هذا النجاح الكبير أنه أعاد التفاؤل والأمل إلى العالم العربي. مؤكداً أن المونديال حرك «الذاكرة الجماعية» للشعوب، واستعاد العرب والمسلمون أمجاد الحضارة العربية الإسلامية. ولفت إلى مكسب آخر للمونديال، وهو استعادة الدور الأساسي الذي تلعبه الثقافة في تقديم الصورة المثلى لدولة قطر، التي أعادت الثقافة إلى قلب الاهتمامات الدولية، باعتبارها محدداً لطبيعة العلاقات الدولية. موضحًا أن المونديال احتوى تعبيرات ورسائل ثقافية منحت البطولة طابعًا استثنائيًا، وأكدت قيمة القوة الناعمة، وهذا ما يؤكد مجدداً فاعلية الدبلوماسية الثقافية التي تُعد الدبلوماسية الرياضية جزءًا منها.

وقال سعادته: إن المجتمع القطري كسب رهان التواصل الحضاري بجدارة أدت إلى إحداث «صدمة الغرب»، الذي اعتبر بعض المناوئين فيه للعرب والمسلمين بأن مدونتنا القيمية عاجزة على قبول الثقافات الأخرى، وبأن الإنسان العربي عاجز على الإسهام في الحضارة الإنسانية. مؤكداً أن قطر قدّمت من خلال المونديال درسًا في مفهوم التبادل الثقافي، وهو احترام الخصوصيات الثقافية وليس الإذعان إلى فرض تعبيرات ثقافية تتعارض مع سلم القيم العربية الإسلامية، وأن رسالة قطر للعالم هي أن يدرك ضرورة الالتزام بأصل الاجتماع الإنساني القائم على الحوار والاحترام والتعارف وليس الصدام والكراهية والتفاضل.

وأضاف أن الفعاليات الثقافية للمونديال عززت مسألة الهوية، وأكدت أن الثقافة العربية الإسلامية هي جزء من الهوية الوطنية، وكان من رهانات القطريين تقديم ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم باعتزاز كبير مما أكسب المونديال طابعًا استثنائيًا، كما أنه لم يمنع من تقديم قطر لـ»نمط ثقافي» جديد في الحوار بين الثقافات وفي الاعتزاز بالهوية الوطنية دون انغلاق، مثلما ساعد المونديال على تنشيط الصناعات الإبداعية.

وعرج على مكتسب آخر للمونديال. حدده سعادته في أنه لم يحجب القضايا العادلة التي تؤمن بها الجماهير في كل مكان، ولذلك كانت القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الجماهير، في إشارة إلى أن الضمير العالمي ما يزال حيًّا.

في ختام محاضرته، أوصى سعادة د. حمد بن عبدالعزيز الكواري بضرورة المحافظة على ما تحقق من نجاح تنظيم المونديال، والانتقال منه إلى نجاح آخر. وقال: كلي ثقة أن قيادتنا الحكيمة تملك الرؤية والخبرة التي تجعلها تقف عند هذه الحقيقة.

وأعرب عن تطلعه لوجود خطة متكاملة للتعامل مع مرحلة ما بعد «المونديال» والبناء على ما تحقق من نجاح وتحويل البنية التحتية إلى فضاءات لحركة ثقافية واقتصادية ورياضية، تجعل من قطر مثلًا يُحتذى في نجاح متواصل.لافتاً إلى أن قطر بما تملكه من بنية تحتية يمكن أن تكون مقرا للمؤتمرات الدولية والفعاليات الكبرى في كل المجالات. وأكد أن من يؤرخ للدبلوماسية الثقافية أو الناعمة، سيتخذ من مونديال قطر أوضح مثال لهذه الدبلوماسية، وعلى الدبلوماسية القطرية الناجحة أن تستفيد من هذا الإنجاز وتجعل من الدبلوماسية الثقافية رديفًا لها وتستفيد من المؤسسات الثقافية المختلفة.

كما شدد على أهمية توثيق كل ما يتعلق بالمونديال، وتسجيل كل تفاصيله.لافتاً إلى أن مكتبة قطر الوطنية بما تملكه من إرادة وخبرة وكفاءات فنية قادرة على المساهمة الأكبر على القيام بهذه المهمة بالتعاون مع الجميع وبالذات مع اللجنة العليا للمشاريع والإرث التي أنجزت جل أعمال المونديال.