أكد باحثون متخصصون في التراث الثقافي، ضرورة إنشاء مركز متخصص يعنى بدراسة وإحياء الفنون البحرية القديمة المتوارثة عن الأجداد. وعلى هامش ندوة مركز شؤون الموسيقى التابع لوزارة الثقافة ضمن سلسلة ندوات وورش «صالون بيت السليطي الموسيقى»، وجاءت بعنوان «النهمة والنهام.. صرخة الأنغام الخالدة»، أشار الباحثون إلى أن أهم التحديات التي تواجه النهمة هو عزوف الشباب عن هذا الفن الذي يحتاج إلى استمرارية دائمة.
واستهدفت الندوة التعريف بفن النهمة، تحدث فيها الملحن والباحث في التراث الموسيقي الدكتور فيصل التميمي، وشاركه بالأداء النهام علي الحداد، وأدار الندوة الشاعر عبدالحميد اليوسف نائب مدير مركز شؤون الموسيقى، وذلك في مقر المركز الكائن ببيت السليطي.
وأكد الدكتور فيصل التميمي أن الندوة تهدف إلى التعريف بفن النهمة الذي يعتبر صوت العراقة والأصالة والتراث.
وقال التميمي: ظروف كثيرة تتسبب في إفراز شخصية النهام الذي كان له أهداف كثيرة كون النهام صوتًا معبرًا عن المعاناة التي عاشها الأجداد في فترة من الفترات، فهو توثيق للأجيال القادمة عن معاناة أهل الأرض للحفاظ عليها والدفاع عنها، والحفاظ على أنفسهم كسكان هذه الأرض، وحمايتها على مر الزمن.
وأشار التميمي إلى أن النهام هو الحادي للسفينة في البحر، وهو الصوت الذي يرافق السفينة حتى مرساها ولقبه بصوت الحكمة والفراسة.
بدوره قال النهام والحرفي والباحث بالتراث والهوية القطرية علي ناصر الحداد إن مشاركته في الندوة تنم عن اهتمامه بفن النهمة، وممارسته لها منذ زمن طويل.
وقال الحداد: قبل أن أصبح نهاماً كنت أعمل بالحرف اليدوية القديمة وهي حرفة آبائي وأجدادي لوالدتي كالحدادة وصياغة الذهب وتعمقت بباقي الحرف كالحياكة والصفارة وشرخ الخشب والأحجار وأخيراً صناعة السفن التقليدية وذلك تيمنًا بخالي أحمد الصايغ مهندس وصانع سفن تقليدية وشاركت في مهرجانات عدة منذ أن كنت صغيرًا، فوجدت أن أغلب الحرف تحتاج الحرف الأخرى فأغلبهم على سبيل المثال يحتاجون إلى الحداد لصناعة أدواتهم الحرفية من الحديد وترميمها وأدركت ترابط الحرف لتكملة بناء السفن فخلال مسيرتي بالحرف كنت أستمع إلى بعض التسجيلات للفنون البحرية وكنت مولعًا بها وكانت تبعث في داخلي الروح للعمل الشاق بالحرف.
علاقة الإيقاعات البحرية بالحرف:
إلى ذلك أضاف النهام الحداد: الايقاعات البحرية مأخوذة من الحرف كطرقات الحدادة وهنا كانت نقطة التحول حيث توجهت لفن النهمة لكي أفهم كيف يتم عمل السفينة وخصوصاً أنها كانت تعتمد في تحركاتها على العامل البشري فقط فلا بد أن أفهم كل ما يرتبط بالسفينة فأصبحت نهاماً.
صفات النهام:
وعن صفات النهام قال الحداد: من صفات النهام أن يحمل صوتًا قويًا وشجيًا في نفس الوقت ليغطي صوته محيط السفينة كاملًا لدرجة أنه يسمع الغواص وهو تحت الماء علماً أن في ذاك الوقت لم تكن هناك أجهزة تساعد على إيصال الصوت مثل وقتنا الحالي، فيحتاج النهام قدرة هائلة بغناء أغاني البحر بأعلى طبقة وأعلى صوت ممكن ليصل الصوت إلى كامل المحيط ويبعث الروح في نفوس البحارة للاستمرارية للعمل فلذلك هو فن صعب وله قواعد صعبة ودقيقة ومتناغمة مع إيقاع معين.
وعن عزوف الشباب عن هذا الفن قال النهام الحداد: تحول الشباب إلى توجهات أخرى يرجع إلى عدم إدراكهم لهذا الفن ناهيك عن أن بعضهم توجه إلى الغناء السهل مع التقنيات المساعدة بعكس صعوبة النهمة وغناء الأغاني البحرية لكن رغم عدم رواج هذا الفن عند السواد الأعظم من الشباب إلا أن الحداد أمد أنه متفائل واعتبر أنه لفن النهمة مستقبل مشيرًا إلى أنه ما زال قيد دراسة ومحل إعجاب وانبهار من الموسيقيين الغربيين لإيقاعاته العجيبة وأدائه وإيقاعاته الطويلة ونغماته التي يعطي متلقيه حسًا يجعله يسرح إلى قاع البحر.
التحديات
وأشار الحداد إلى أن أهم التحديات التي تواجه النهمة عزوف الشباب عن هذا الفن الذي يحتاج إلى استمرارية دائمة لأن أداء هذا الفن يحتاج الى تمرس مستمر للحبال الصوتية لعدم نسيان الألحان والكلمات الصعبة، وطالب بإيجاد مركز مختص بالفن البحري وفعاليات مستمرة ودعم متواصل حتى يبقى هذا الفن لا سيما أنه يعكس نشأة المواطن القطري والهوية القطرية الذي صارع بابتكاراته لأجل البقاء والصمود رغم قسوة العيش.