بحضور سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة عُقدت مساء أمس ندوةٌ بعنوان «النخب الثقافية القطرية.. الدور المأمول في إثراء المشهد الثقافي» بجامعة قطر، وذلك ضمن فعاليات «موسم الندوات» الذي تنظمه وزارة الثقافة، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في الفترة من 17 وحتى 31 مارس الجاري. وخلال الندوة عقد سعادة وزير الثقافة، لقاءً مفتوحًا على مدى ساعتين، مع المثقفين والأدباء حيث استمع إلى آرائهم وأفكارهم ومداخلاتهم حول الدور المنوط بوزارة الثقافة ودور النخبة الثقافية في إثراء المشهد الثقافي

وتناول الكتّاب والمشاركون العديد من القضايا خلال اللقاء، من أبرزها الحديث عن تاريخ الثقافة القطرية وكيف كانت محطًا لأنظار الرحالة الأجانب الذين أعجبوا بتاريخ قطر وثقافتها.

مساهمات فعالة:

استهل سعادة السيد سعد الرميحي رئيس المركز القطري للصحافة الندوة بكلمة شكرٍ في بدايتها وزارة الثقافة وعلى رأسهم سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة على ما تم بذله من جهد في إطار الحرص على إثراء المشهد الثقافي في البلاد، وأكد أن قطر كانت من أوائل الدول التي كانت لها مساهماتٌ ثقافيةٌ فعالة على مستوى دور النشر وغيرها، وأعرب عن أمله بأن يتجدد هذا الدور في الأيام القادمة، وقال: إن كلمة الثقافة كلمةٌ مطاطة لا يوجد لها وطن ولا استقرار ولا هيئة بل هي جزءٌ من كينونة أي مجتمعٍ في العالم، وعرج الرميحي على عددٍ من الرحالة ممن جاءوا إلى منطقة الخليج للتعرف على ثقافة شعوبه وطبيعته وبينهم كريستن نيبور وكان ضمن خمسة جاءوا إلى اليمن، مؤكدًا أن نيبور هو أول من كتب عن شبه الجزيرة العربية، حيث قال إنه وصل إلى بلد اسمه قطر، وعاش فيه فترة قصيرة ثم رحل، كما تطرق إلى الرحالة الكبير الأستاذ أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب، حين كان يتكلم عن الثقافة التي مرت بها المنطقة وتحدث أيضًا عن قطر، وكذلك محمد أمين الشنقيطي وعبدالعزيز الثعالبي وكلهم شخصيات عربية وعالمية مرّوا بهذه المنطقة، وقال: إن ما كتبوه يؤكد أنه كان هناك نشاطٌ ثقافي بشكلٍ عام في قطر، معتبرًا أن كل هذا نوع من الثراء الثقافي الذي قدمته الدولة والمجتمع في السنوات الماضية، مؤكدًا أنه كان ينقصنا فئة التدوين لتسجل أن هناك رحالة مرّوا بهذه المنطقة وتحدثوا عن ثقافتها. وأبرز أن منطقة الخليج مرت بمراحلٍ عديدة وشهدت ثقافاتٍ متعددة، حيث جاءت الثقافة الإنجليزية ثم الفرنسية وكانت لهما تأثيراتٌ على الكلمات والمفردات والعادات التي انغرست في أبناء المنطقة بل إنها تغلغلت إلى الكلمات الدارجة، وأردف قائلًا: مع مرور الأيام أصبح هناك وعي لدى الناس وبدأت المفردات العربية تحل محل المفردات الأجنبية. وأضاف الرميحي أنه سعيد جدًا في الوقت الحالي نظرًا للنشاط الثقافي الذي يشهده المجتمع القطري مشيرًا إلى وجود طفرةٍ ثقافيةٍ على مستوى المجالس القطرية التي بدأت تنظم ندوات وأنشطة ثقافية، وقال إنه يرى أن هناك نشاطًا ثقافيًا يتجدد لدى الشباب في مجالات الفنون. وقال: لعل المشهد المسرحي الأخير المتمثل في مهرجان المسرح يؤكد عطش الشباب إلى النشاط الثقافي والفني. وطالب الرميحي وزارة الثقافة أن تستمر في هذا النشاط، وقال: أعلم أن العقبات المالية قد تحول دون تنفيذ بعض الأفكار التي قد تجول في الخاطر، وفي هذا السياق استذكر فترة ثمانينيات القرن الماضي حيث كانت هناك مؤسسة ثقافية كبيرة قامت بدور لم تقم به وزارة بأكملها وهو نادي الجسرة الثقافي، ولفت إلى أن هذا الكيان قد قام بنشاطٍ ثقافيٍ كبير في تلك الفترة في سبيل إثراء المشهد الثقافي، وحول المأمول من وزارة الثقافة، قال: إن دورها إشرافي بينما يقع العبء على النخب الثقافية لإثراء النشاط الثقافي عبر ندواتٍ ومعارضٍ وجلسات وغيرها.

دور المؤسسات:

أما الروائي والأكاديمي د. أحمد عبد الملك فتساءل عن ماهية المثقف الحقيقي، وهل هو من يصدر كتابًا أو يرسم لوحةً فنية. وتطرق في مداخلته منطلقًا مما أشار إليه سعادة السيد سعد الرميحي، حيث أكد أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني لتكون الأرضية الصالحة في الطريق لإثراء المشهد الثقافي. وقال: إن الوزارة تدعم بالفعل، لكن يجب أن يكون لهذه المؤسسات دورٌ مهم في إثراء المشهد الثقافي، واستحضر عبدالملك تاريخ نادي الجسرة، الذي وصفه بصاحب الدور المهم في الثمانينيات، حيث كان أشبه بدور وزارة بالفعل، ما يجعلنا نفخر بما قام به. وحول نوعية الإنتاج الثقافي، أشار إلى أننا نعاني من ذلك الأمر حتى وصول الإنتاج إلى المتلقي، ومن ثم إثراء المشهد الثقافي، وفي هذا الإطار دعا الإعلام إلى دعم النشاط الثقافي، وأن تكون هناك مأسسةٌ ثقافية، وكذلك مأسسةٌ للإعلام الثقافي، ما يجعله يسهم في وضع الأفكار. وشدد على أهمية أن تكون هناك أرضيةٌ شعبيةٌ للثقافة، وذلك بإنشاء جمعية للأدباء والكتاب، مؤكدًا أن ذلك مطلب مهم للمثقفين يمتد إلى عقدين من الزمن تقريبًا، وأضاف أن هذا من شأنه أن يحفظ للثقافة القطرية حضورها في اتحاد الكتاب العرب. كما دعا إلى ضرورة الخروج من العاصمة إلى خارج الدوحة لنقل الثقافة القطرية إلى كافة مناطق ومدن الدولة.

دعم المثقفين

وبدوره، وجّه سعادة السيد خالد العبيدان، عضو مجلس الشورى، الشكر لسعادة وزير الثقافة على جهوده في إثراء المشهد الثقافي، واصفًا الدورة الأخيرة لمعرض الدوحة للكتاب بكونها دورة استثنائية بإمتياز، ولفت في هذا السياق إلى أن الوزارة لم تأل جهدًا في دعم الثقافة والمثقفين، وإقامة المهرجانات والندوات، وأبدى اتفاقه مع المطالبة بإقامة جمعية للكتاب القطريين، انطلاقًا من تعزيز دور المجتمع المدني، ودعمًا للجهود الرسمية، بالشكل الذي يثري المشهد الثقافي، وقال: لدينا ثقافةٌ تراكمت لسنواتٍ عديدة، كان لنادي الجسرة حضورًا كبيرًا فيها، بما شهده من حراك، فكان خير تمثيل للمجتمع المدني، وفي هذا المقام قام باستحضار جهود النادي في السابق، مشيرًا إلى أنه جلب العديد من كبار المثقفين والمفكرين في الوطن العربي، بالإضافة إلى إقامته لأسابيع ثقافية في الخارج للتعريف بالثقافة القطرية، وهي جهود قام بها شباب قطري.

وبدوره تساءل الكاتب أحمد المهندي عن النخب الثقافية، والتي اعتبر أنها مقيدة وقال: إن الكثيرين يعانون من قلة الدعم الذي يجب -بحسب رأيه- أن يتوافر بصورةٍ أكبر للكتاب القطريين، وقد رد الإعلامي صادق العماري رئيس تحرير جريدة الشرق على الكاتب أحمد المهندي في تلك النقطة، حيث أكد أن الكاتب القطري لديه الكثير من الحرية، وقال إن ما يمكن الوقوف عنده في بعض المقالات المقدمة من قبل الكتاب الذين يكتبون للشرق، تكون بسبب مخالفاتٍ للقانون أو نـحو ذلك، وقال: مهمتنا أن نـحافظ على المركز القانوني للجريدة، لافتًا إلى أن المؤسسات تقدم دعمًا للكتاب ومن ضمن ذلك ما حصل عليه الكاتب أحمد المهندي من دعم حين طبعت الشرق له كتابًا، وتناول العماري في مداخلته أهمية دور الثقافة والمثقفين في تذويب كل الفوارق في المجتمع، سواء القبلي أو الفكري ليقول كل شخصٍ رأيه وهو مطمئن، وأضاف قائلًا: أرى أن هناك الكثير من الندوات والمسرحيات تستهدف الحضور الجماهيري وخاصة الشباب.

تأهيل الشباب:

من جانبه أكد الأستاذ عبدالعزيز آل إسحاق أن الأعوام الماضية كان التركيز منصبًا على الفعاليات الترفيهية الموجهة للشباب، مطالبًا بضرورة توفير منصاتٍ من شأنها تأهيل الشباب للتواجد مستقبلًا ضمن النخب الثقافية، وقال: نأمل أن يعقب موسم الندوات موسم لتدريب الشباب، مشددًا على أهمية وجود ندواتٍ ومحاضراتٍ لا يكون فيها الشباب مجرد مستمعين لحديث النُخب، معربًا عن أمله في أن تقوم وزارة الثقافة بإقامة فعالياتٍ متنوعة لتدريب الشباب وتنمية مواهبهم في مجالات ككتابة الرواية، والسيناريو والمسرح، مضيفًا: بعد سنواتٍ قليلة من التركيز على ذلك الأمر نستطيع تقييم الشباب إبداعيًا، محذرًا من خطورة التغافل عن تأهيل الشباب لأنهم مستقبل النخب الثقافية.

العمل الجماعي:

فيما أكد الأستاذ علي المحمود أن هذا الحضور من قبل المثقفين والإعلاميين دليلٌ واضح على أن وزارة الثقافة تسير في الاتجاه الصحيح، لافتًا إلى أهمية دعم الآخر وتعزيز العمل الجماعي، كونه السبيل الوحيد لتحقيق الطفرات الثقافية. وأضاف قائلًا: على النخب الثقافية أن تدعم جهود الدولة في هذا الشأن، وأن تكون عاملًا مساعدًا في إنجاح مخططات وزارة الثقافة للنهوض بالحركة الثقافية في قطر.

تراجع المشهد الثقافي:

بدوره قال الفنان والإعلامي سعد بورشيد: خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات تم تشكيل لجانٍ ثقافية من غير المتخصصين، سواء على مستوى المسرح أو الموسيقى وغيرها من المجالات. مشيرًا إلى أن المجاملات تسببت في إحباط العديد من المثقفين والفنانين، ما مثل عقبةً رئيسيةً أعاقت مخططات النهوض بالمشهد الثقافي. لافتًا إلى أن تسريح الموظفين ذوي الخبرات الثقافية ممن بلغوا عمر الستين من مؤسسات الدولة، ساهم بشكلٍ أو بآخر في تعطيل النهضة الثقافية، خاصةً أن هذه الفئة من الكفاءات كانت تمتلك تاريخًا وخبرةً طويلةً في العمل الفني والثقافي.

مظلة ثقافية:

من جهةٍ أخرى، اعتبر الدكتور عبدالله فرج أن الثقافة كالطير، له أجنحةٌ يطير بها من منطقةٍ إلى أخرى، ومن بلدٍ إلى آخر، والعاقل هو من يشرب من كل معين. مضيفًا: أسعدني ما شهدته في النسخة الماضية من معرض الدوحة الدولي للكتاب، الذي كان تظاهرةً ثقافيةً جمعت دور النشر العالمية والمحلية، بالإضافة إلى ملتقى المؤلفين الذي تزامن مع المعرض. معربًا عن أمله في أن تكون هناك مظلةٌ أكبر تضم جميع المؤلفين سواء اتحاد الكتاب أو الشعراء أو المؤلفين. حيث إن مجموعة من الشباب في الثقافة والأدب والإعلام لا يجدون من يأخذ بأيديهم. وتمنى فرج أن تستمر الأنشطة الثقافية في شهر رمضان المقبل وأن يكون لدينا برامجٌ حيةٌ لإثراء الجمهور خلال الشهر المبارك.

المجتمع المدني:

أما الكاتب عبدالعزيز الخاطر، فأوضح أن الثقافة لا يجب أن تختزل في مؤسسات، بل يجب أن تنطلق من المجتمع المدني. لافتًا إلى أنه لا يجب الارتكان على النهضة الثقافية التي تم تحقيقها في فترة السبعينيات والثمانينيات، بل يجب أن تكون انطلاقة نـحو آفاقٍ جديدة. مبينًا الفرق بين النخب الثقافية وثقافة النخبة. مؤكدًا أهمية الربط بينهما لإعادة صياغة ثقافة الدولة وذلك من خلال مؤسسات المجتمع المدني.

المثاقفة والمحاورة:

من جانبه، قال الإعلامي الأستاذ مبارك جهام الكواري: لمسنا ارتياحًا كبيرًا بتولي سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزارة الثقافة، بدون قطاعٍ آخر يرافق الوزارة، وهو ما طلبه فيما سبق من خلال أحد مقالاته، مؤكدًا أن ذلك الأمر سيجعل لسعادته بصماتٍ واضحة في النهوض بالمشهد الثقافي. وتابع: لقد بدأنا على الطريق الصحيح، وأصبح هناك تكاملٌ ثقافي في أداء الأدوار. معربًا عن سعادته بعودة إقامة مهرجان الدوحة المسرحي، وتلك الدورة الاستثنائية لمعرض الدوحة للكتاب. واقترح بأن تمتد مواقع إقامة موسم الندوات في المستقبل في كل من نادي الجسرة، ومكتبة قطر الوطنية.

كما تحدث الشاعر عبدالرحمن الدليمي عن دور المجتمع المدني وأهمية الارتقاء بالثقافة الذاتية والاهتمام بآليات الثقافة في مختلف فروع الآداب والفنون، مطالبًا المثقفين بتغيير نمط حياتهم، والانتقال إلى المثاقفة والمحاورة وتحقيق دور النخب الثقافية في تحقيق تكاتف المجتمع.