نظمت وزارةُ الثقافة ندوةً جديدةً ضمن موسم الندوات الذي يقامُ بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويعدُ الأول من نوعه في الدوحة، باستهدافه إثراء النقاش والحوار، حول العديد من القضايا الثقافيّة والفكريّة والفنيّة. وحملت الندوةُ الجديدة التي احتضنها مدرج كلية القانون بجامعة قطر، عنوان «الشعر والأغاني.. مدى الإختلاف ولماذا تراجعت المستويات». وتمَ من خلالها تناولُ الأبعاد المختلفة للفرق ما بين الفنين، كما تمَ التوقفُ عند أسباب تراجع كل منهما، وقد تحدثَ خلال تلك الندوة كلٌ من الناقد د. حسن رشيد، والشاعر علي ميرزا، والموسيقار مطر علي الكواري، وأدارَ الندوةَ الإعلامي تيسير عبدالله، وسط حضور عددٍ من النخب الثقافية والأكاديمية والدارسين، الذين أثروا الندوة بمناقشاتٍ عديدة حول ما تمَ تناولُه خلالها، وتحديدًا فيما يتعلقُ بنقاط الإلتقاء والقواسم المشتركة بين القصيدة والأغنية.

البدايات الأولى

بدأت الندوةُ بالورقة البحثية التي تقدمَ بها الدكتور حسن رشيد، والتي تضمنت مقدمةً تاريخيةً قامَ من خلالها باستعراض نشأة الأغنية على النطاق الإنساني، موضحًا أن ذلك قد تمَ عبر أهازيجٍ مرتبطةٍ بطقوسٍ ورقصاتٍ بدائيةٍ سواء في أطر الابتهال لنزول المطر، أو إطار جني الثمار، حتى أصبحَ الرقص والغناء جزءًا أساسيًا في حياة الشعوب، سواء كانت بدائية أو متحضرة، ولفتَ إلى أن المسرح الإغريقي ذاته كان نتاجًا لتلك الأغاني والأهازيج. وانطلقَ د. حسن رشيد من خلال هذا الملمح التاريخي، إلى نشأة الأغنية في منطقة الخليج، ليؤكدَ إنتاجها من منبعين هما: البحر، الصحراء، كما أشارَ إلى أن أبناء الخليج قد تأثروا إلى جانب ذلك بالعديد من الفنون الأخرى الوافدة، مثل فن الصوت وفن البستة، بالإضافة إلى العديد من الفنون الشعبية الأخرى مثل: الليوة والطنبورة، مؤكدًا على أن العصر الحديث قد جاءَ بتأثيراته أيضًا على الذوق الفني المحلي، وقالَ: إن مع ظهور الجرامافون والوسائط الحديثة بدأ التشجيع على انتشار الأغنية. وعرجَ د. حسن على الأسماء الأولى التي ظهرت في عالم الغناء القطري، لافتًا إلى أن شعراء قطر ساهموا في تغذية المرحلة بعددٍ وافرٍ من الأغاني، إذ غنى محمد الساعي «الدودحية»، وغنى فرج «نورة». وأكدَ في هذا السياق أن الإذاعة كان لها دورٌ كبيرٌ في البدايات الأولى للأغنية، بظهور فرقةٍ موسيقيةٍ متكاملة، وكذلك ظهور ملحنين متميزين. وأعربَ عن أمله في أن تقومَ الجهات الرسمية بتكليف عددٍ من رواد الأغنية لوضع دراسةٍ علميةٍ جادة عن الرعيل الأول من المطربين وشعراء الأغنية، كما اقترحَ إقامة مهرجانات موسمية لدعم الموهوبين عبر مسابقاتٍ في إطارٍ من وسائل وأجهزة الإعلام.

معاناة الشاعر

من جانبه أكدَ الشاعرُ والفنانُ علي ميرزا أن هناك فرقًا بين الشعر والشعر الغنائي، موضحًا أن الشعر الغنائي يعدُ أمرًا مستحدثًا، وكان قديمًا يتم أخذُ الشعر من أفواه الشعراء ثم العمل على تلحينه، وأبرزَ أن الشعر له مكوناتٌ خاصة يمتازُ بها، أما الأغنية فلها مقوماتٌ مختلفة وهو ما ظهرَ حديثًا في العصر الحديث، وقالَ: إذا رجعنا إلى عصر أم كلثوم وعبدالحليم حافظ نجد أنهم اختاروا كلمات العديد من أغنياتهم من القصائد وكانت أجمل أغانيهم، ومع مرور الزمن تغيرَ الحال وتحولَ الشاعر من شاعرٍ عام يكتب عن نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها إلى كاتبٍ مختصٍ في قليلٍ من الكلمات التي يعبرُ فيها عن حالةٍ شخصية ثم يحولُ هذا الكلام إلى غناءٍ يغنيه فردٌ أو أكثر، وقالَ ميرزا: إن الشعر في حد ذاته بطبيعة الحال يختلفُ كليًا عن الأغنية لأن الكلمات تجعله كيانًا قائمًا بحد ذاته لا يحتاجُ إلى تلحينٍ لكي يصلَ إلى الناس بينما يكفي قراءته وفهمه ورؤية الشاعر حول هذه القضية التي يطرحُها. وأضافَ ميرزا: إن الأغنية يجب أن تعبرَ عن حالةٍ نفسيةٍ أو عشقيةٍ أو اجتماعية وهي حالةٌ تعبرُ عن شقٍ محددٍ من المشاعر، بينما القصيدة تحتوي أكبر حدٍ منها وتستطيعُ أن تنطلقَ في عالم الإنسان إلى أوسع مدى، فبينما نرى قصائد كتبت في أكثر من ألف بيتٍ وتعرضت لنواحي الحياة المختلفة، لا نرى في الأغنية إلا بضع كلماتٍ معبرة عن حالةٍ معينة، ونوهَ المتحدثُ إلى أن دنيا الشعر مختلفة، ومعاناة الشاعر أيضًا مختلفة، وهي أكبر وأشد من معاناة كاتب الأغنية، لأن الشاعر يبحثُ عن صورٍ متعددةٍ ومعانٍ ومفرداتٍ مختلفة وصورٍ جماليةٍ ونفسية، إنما كلمات شاعر الأغنية تعتمدُ على إبداعات الملحن.

نمط جديد

بينما أكدَ الموسيقار مطر علي الكواري أن الاهتمام الذي أولته إذاعة قطر بالأغنية خلال الثمانينيات والتسعينيات، ساهمَ في تطوير ودعم الأغنية القطرية، حيث فتحت الإذاعةُ للموسيقيين والشعراء بابًا لتطوير الأغنية القطرية، ومن هنا كان دور الشعراء والملحنين والمطربين القطريين الذي استطاعوا أن يقدموا إسهامًا مهمًا في هذه الفترة التي تجلت فيها الجهود الواضحة للموسيقار عبدالعزيز ناصر والملحن حسن علي، وآخرين، ومن هناك كان التفكير في إيجاد نمطٍ جديدٍ للتطوير، من خلال البحث عن كلماتٍ جديدةٍ وألحانٍ مختلفة وإيقاعٍ مغاير، وأشارَ إلى أن وجود هذه الكوكبة ساهمَ في الازدهار الذي حدث، وألقى الكواري الضوءَ على إدخال الشعر النبطي إلى الأغنية القطرية، موضحًا أن هذا الأمر كان نادرًا، لكنه ساهم في ظهور مجموعةٍ كبيرةٍ من شعراء النبطي الذين تحولت أشعارهم إلى أغانٍ، وتمَ إدخالُ الألوان السريعة في الإيقاع اللحني، وقالَ: إن الشعوب العربية تهتمُ في المقام الأول بالكلمة، داعيًا إلى ضرورة الاهتمام بنشر وتعزيز ثقافة الموسيقى من خلال التعريف بها في المقررات الدراسية، فضلًا عن البرامج الثقافية والإعلامية، وأضافَ الكواري: إن الموسيقى فنٌ قائمٌ بذاته ومهمةٌ للإنسان، وقد لا ترتبطُ بالأغاني ولها أنواعٌ كثيرة.

مراحل التطور

كما تحدثَ الإعلامي تيسير عبدالله عن مراحل الأغنية القطرية انطلاقًا من مرحلة الفرق الشعبية والسمرات في خمسينيات القرن الماضي، وقالَ: إنها مرت بمراحلٍ متعددة بعد ذلك حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وأكدَ أن الأغنية الوطنية القطرية كانت في مستوى كل الأحداث وحافظت على سمو المعاني. وأضافَ: إنها طغت على الأغنية العاطفية، ودعا مؤسسات الدولة الثقافيّة إلى تبني التسويق التجاري للأغنية القطريّة.