رأى أكاديميون في ندوة «نـحن والغرب.. المركزية العربية ومفهوم العالمية عقدة الغربي بين الحقيقة والوهم» أن فقدان العرب ثقتهم في مصادر قوتهم السياسية والفكرية والاقتصادية زاد من تبعيتهم للغرب وظهور الهيمنة الغربية في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.
وعقدت الندوة أمس في معهد الدوحة للدراسات العليا ضمن فعاليات موسم الندوات الذي تنظمه وزارة الثقافة، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات. وشارك في الندوة كل من الدكتور عبدالوهاب الأفندي رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، والباحث الدكتور جاسم الجزاع، والدكتور رشيد بوطيب، الأستاذ المساعد في برنامج الفلسفة بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
وحضر الندوة سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة وعدد من الباحثين والمثقفين والإعلاميين وضيوف الندوة.

د. عبدالوهاب الأفندي: العرب لم يستغلوا ميزة النفط في تحقيق المركزية

قال الدكتور عبدالوهاب الأفندي رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، إن تحالفات الدول العربية والإسلامية في السابق إبان العهد السوفيتي كانت مع أمريكا، والآن أصبح لديهم تحالف مع إسرائيل، معتبرًا أن هذه التحالفات ليست بجديدة، فالأمر حصل أيام الحروب الصليبية عندما تحالف بعض المسلمين مع الصليبيين ضد مسلمين آخرين مثل ملوك الطوائف في الأندلس.
وأضاف الأفندي «الآن أصبح منذ الثورة الصناعية في أوروبا ومع اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وقناة السويس والمركزية العربية هنا كانت تجارية وكبيرة، ولكن مع اكتشاف الكثير من الطرق التجارية البديلة أصبح العرب على الهامش، ولكن مع فك الاحتكار الغربي للنفط أصبح للعرب ميزةٌ ولم تستغل الاستغلال الكامل في تحقيق المركزية العربية».
وأوضح أن الوجود الغربي حاليًا يتمثل في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية مما ساعده في الهيمنة على العالم بما فيها الهيمنة الثقافية التي في كثير من الأحيان يخلقها العرب لأنفسهم، مطالبًا بأنه يجب أن نفكر بأن نصنع بضائع ثقافية لأنفسنا وتقوية ذاتنا بتحالفاتٍ مع بعضها البعض».

وتابع قائلاً «جزءٌ كبير من ضعف المنطقة ليس فقط صراعات مع الغرب لكن في صراعات مع شعوبها»، مستشهدًا بأن بعض الحكام العرب يذهبون لإقامة علاقات مع إسرائيل حتى تدعم نظامه ضد الشعب ولعدم قدرته على التفاهم والحديث مع شعبه مما يذهب إلى إسرائيل لخلق شرعية لنظامه.
ودعا الأفندي للخروج من الهيمنة الغربية بأنه يجب على العرب النظر إلى مصادر قوتهم الثقافية والفكرية والصناعية والنظر إلى الثقة في أنفسنا بالتوحد.

د. جاسم الجزاع: 4 مراحل لتبعية العرب للغرب

قال الدكتور جاسم الجزاع، إن الإنسان بطبيعته يرفض التبعية وكذلك الدول التي تحاكي البشر في التفكير، مضيفًا أن التبعية المذمومة في الأوساط السياسية أن تكون دولة معينة أسيرة لقوى أخرى في منظوماتها التعليمية والاقتصادية والسياسية.
وأوضح الجزاع أن من مظاهر استقلال الدول بأن يكون لها استقلال سيادي –الذي لا يكون بشكلٍ كامل في هذا الزمن- والاستقلال الاقتصادي والاستقلال الفكري،
ولخص مراحل تبعية العرب للغرب قائلاً إن المرحلة الأولى كانت الصدامية العسكرية في الغزوات البيزنطية على جزيرة العرب وبعدها الصراع العربي البيزنطي والصراع العربي الفرنجي التي كانت بداية العسكرة التي استمرت حتى الحملات الفرنسية، ومع إدارك الغرب بأنها لن تجدي نفعًا بشكل كبير في التبعية ذهبوا إلى المرحلة الثانية وهي التجزئة وتقطيع العرب إلى كتلٍ صغيرة لإنهاء الوحدة فيما بينهم وخلق مفاهيم العرقيات والوطنيات وزرع الكثير من الغطرسة».
واستكمل قائلاً «إن المرحلة الثالثة ارتكز على تغريب الفكر بوجود بعض الشخصيات الغربية ضمن صناع القرار بالدول العربية من أجل سلب العقل إلى جانب زراعة وكلاء لهم بالأقطار العربية، أما المرحلة الرابعة والأخيرة كانت اقتصادية بوجود منظومات وشركات غربية هدفها فقط جعل العرب مجرد مستهلكين مما يمنعهم من الإنتاج».

وفي نهاية كلمته أشار الجزاع إلى أن الكثير من الأنظمة العربية لا تريد لتوحد العرب أن يتم خوفًا على بعض المصالح والمكاسب، ولتحقيق الوحدة العربية نـحتاج إلى مشروعٍ كبير على مستوى الشعب والأنظمة يؤكد أن الترابط العربي لا يعني إنهاء سيادات الدول.

د. رشيد بوطيب: مشكلة العرب تقليد الغرب

قال الدكتور رشيد بوطيب الأستاذ المساعد في برنامج الفلسفة بمعهد الدوحة للدراسات العليا إن الجواب على سؤال الندوة قدم الإجابة الأكثر جدية المفكر علال الفاسي في كتابه «النقد الذاتي» تحديدًا في الفصل الرابع عشر الذي يحمل عنوان «الفكر بين العصرية والمعاصرة» الإجابة ذاتها لدى مفكرين معروفين هما عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري، موضحًا أن الكتاب يقدم جوابًا عن أي علاقة نريد بالحداثة الغربية.
وأضاف بوطيب «المشكلة في رأي هذا الفقيه والمفكر السلفي تكمن في التقليد، وبلغةٍ أخرى إن علينا أن نأخذ عن الغرب ما هو عصري، أي ما يساعدنا في الجواب على أسئلة عصرنا وقضايا واقعنا الملحة، وليس كما هو».
ويشار إلى أن موسم الندوات يتضمن ثماني ندواتٍ ويتواصل حتى31 مارس الجاري، حيث تعقد الندوة التالية يوم الإثنين المقبل تحت عنوان « الشعر والأغاني.. مدى الاختلاف ولماذا تراجعت المستويات «، ويهدف موسم الندوات إلى إثراء النقاش والحوار، حول العديد من القضايا الثقافية والفكرية والفنية عبر إقامة ثماني ندوات، بهدف نشر ثقافة التنوع ومنح نخب المجتمع من المفكرين والمثقفين والخريجين فرص تعزيز البيئة الفكرية، إذ تسعى وزارة الثقافة من خلال هذا الموسم إلى تأسيس بيئةٍ فكرية تعزز دور الثقافة والمثقفين في خدمة المجتمع.