تواصلت أمس فعاليات موسم الندوات الذي تنظمه وزارة الثقافة بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيث أقيمت بمعهد الدوحة للدراسات ندوة «الوسطية في الإسلام بين المثالية والواقع»، وحاضر فيها كل من الدكتور سلطان الهاشمي أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة قطر، والدكتور محمد عياش أستاذ العقيدة بجامعة قطر، والدكتور عبدالقادر بخوش أستاذ ورئيس قسم العقيدة بجامعة قطر، والدكتور علاء هيلات الباحث في العقيدة الإسلامية ومقارنة الأديان، وأستاذ مشارك في كلية الشريعة – جامعة قطر، وأدارها الداعية الإسلامي والمحاضر الدكتور يوسف عاشير.
وخلال مداخلته في الندوة قدم الدكتور سلطان الهاشمي الشكر لوزارة الثقافة وسعادة وزير الثقافة على هذا النشاط والحراك الثقافي متمنيًا استمراره..
وقال إن مفهوم الوسطية في الإسلام كما بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم تعني العدل والتوسط والاعتدال في الأمور كلها، موضحًا أنها عبارة عن منهجٍ فكريٍ وأخلاقيٍ وسلوكي، وحتى في العبادات والمعاملات تعني الاعتدال في جميع الجوانب الإنسانية، مؤكدًا أن كثيرًا من الديانات عندها نوعٌ من الغلو أو الإفراط، لكن الإسلام يدعو إلى الوسطية والتوسط، وبحسب قوله هذا لا يعني أن الاسلام يكون حياديًا، فهناك فارقٌ بين أن تكون صاحب فكرٍ وسطي وبين أن تكون حياديًا لأن الحياد في الصراع بين الحق والباطل مرفوض، وقد ذم الحق سبحانه وتعالى هذا التصرف من المنافقين في الآية الكريمة ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾. النساء (143).
وأكد الدكتور الهاشمي أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال أما اليهودية فهي تميل إلى المادية الصرفة، فكانت وما تزال ترى أن المال هو الغاية وأن المادة هي الهدف الأسمى. ولذا فهي حريصة على الحياة والمادية أكثر من كل شيء، أما النصرانية فقد بالغت في الجانب الروحي بدعوى الزهد، بينما الإسلام فقد جمع بين المادة والروح ويهدي الناس إلى أقوم السبل وأعدل الطرق، وهو سبيل الوسط بين المادة والروح ليعطي كل ذي حقٍ حقه، قال تعالى: ﴿وَٱبتَغِ فِيمَا ءَاتَـٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلأخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنيَاۖ وَأَحسِن كَمَا أَحسَنَ ٱللَّهُ إِلَيكَ وَلَا تَبغِ ٱلفَسَادَ فِي ٱلأَرضِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلمُفسِدِينَ﴾ [القصص: 77]،
وأوضح الدكتور الهاشمي أن الوسطية في الإسلام شاملةٌ لكل قضايا الإنسان، ففي مجال العقيدة نجد أن اليهودية والمسيحية بالغتا في تحريف عقيدة التوحيد، وادعوا ما ليس من حقهم، قال تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله) التوبة 30. وأضاف الدكتور الهاشمي: لمّا جاء الإسلام بالوسطية والاعتدال جاء بعقيدة التوحيد الخالص، وخاطب اليهود والنصارى ودعاهم إلى تصحيح معتقداتهم وعبادة الله وحده، ولقد جاء الإسلام بالتيسير والسماحة والرفق ورفع الحرج وبالحنيفية السمحة ويقول ابن القيم رحمه الله (فما أمر الله بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان؛ إما إلى تفريطٍ وإضاعة، وإما إلى إفراطٍ وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين) وتلك هي الوسطية في الإسلام.
وأوضح أن الوسطية هي منهج فكري أخلاقي سلوكي؛ يدعو للاعتدال في كل مفردات الحياة الإنسانية؛ بل وإنها دعوة لتحفيز الجانب الإيجابي من الشخصية الإنسانية الملهمة فطريًا بالفجور والتقوى.
وقال الدكتور سلطان الهاشمي إن الوسطية والاعتدال في الإسلام تدعو إلى احترام الآخر والاعتراف بحقوقه المشروعة، وأهمها الحريات الدينية اهتداءً بالنص القرآني الذي يقر بالحريات الدينية، الموائمة بين البعد الروحي والمادي في الدين الإسلامي؛ والأخذ من كليهما دون التطرف إلى واحدٍ منهما وبحدود طاقة النفس، الابتعاد عن الغلو في الدين بالنحو الاعتقادي والعملي من خلال دعوة أهل الكتاب عامة.
وأكد الدكتور الهاشمي أن الإسلام هو دين الاعتدال في جميع جوانب الحياة على سبيل المثال في حالة الحرب حث على عدم قتال من لا يحمل سلاح، حيث إنه لا يوجد دين ولا قانون ولا عرف احترم الإنسانية بشكل كامل في حالة السلم والحرب كما احترمها الإسلام.
إضافةً إلى الموازنة بين متطلبات الجسد والروح، فلا يحرم ما أحله الله ولا يحلل ما حرمه، بل العمل بالمباحات وترك المحرمات، وكذلك المحافظة على وضعٍ اقتصاديٍ متزن من خلال عدم الإسراف في تبذير المال العام والامتناع عن البخل في المصروفات إضافةً إلى منع الغلو في العقيدة والسلوك، الذي يؤدي إلى تكفير الآخر ومن ثم استباحة دمه على أساس فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، والوسطية والاعتدال في الاعتقاد من خلال تحكيم العقل، خصوصًا بين أهل الأسطورة والخرافة وبين الذين لا يعترفون بما وراء الحس المادي.
وأكد الدكتور الهاشمي أن الوسطية من أبرز خصائص الإسلام، ويعبر عنها أيضًا بـ «التوازن»، ونعني بها التوسط أو التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين، بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير، ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابله.
هذا ويتواصل موسم الندوات حيث ستقام اليوم ندوة بعنوان « نـحن والغرب.. المركزية العربية ومفهوم العالمية عقدة الغربي بين الحقيقة والوهم» وذلك في تمام الساعة 12 ظهرًا بمعهد الدوحة للدراسات .