بإيقاعاتٍ موسيقية خليجية قديمة أعطت مسرحية «الغبة» بُعدًا تراثيًا جديدًا يعودُ بالمشاهد إلى وقتٍ قضى، ولتؤكد فرقة قطر المسرحية تمسكَها بتقديم اللون التراثي، والمسرحية التي عرضت أمس على خشبة مسرح الدراما بكتارا في إطار مهرجان الدوحة المسرحي، قسم الفرق الأهلية، من تأليف طالب الدوس وبطولة كل من الفنانين: غازي حسن، فيصل رشيد، أحمد العقلان، محمد الصايغ، ناصر حبيب، عمر أبو صقر، وعدد من الشباب، والسينوغرافيا والإخراج لناصر عبد الرضا.
وتدورُ أحداثُ العرض الذي يأخذ طابعًا تراثيًا على ظهر إحدى سفن البحث عن اللؤلؤ في منطقة الخليج خلال فترة ما قبل ظهور النفط، حيث حياة البحر والغوص، وتحكي عن علاقة عم بابن أخيه «جابر» أثناء رحلة غوصٍ، وخلال تلك الرحلة التي يشغل فيها العم مهمة النوخذة يقوم أحد أفراد طاقم السفينة بالإيقاع بين العم وابن أخيه الذي يعد أحد الغواصين الماهرين، حتى إنه يحاول دفعه لقتل النوخذة بعد إيهامه بأنه استولى على ميراثه، ثم تتوالى الأحداث، إلا أن قوى الخير تنتصرُ في النهاية.
وتحتوي المسرحيةُ على نوعٍ يعدُ من أصعب فنون الغناء الشعبي وهو «النهام»، ومن خلال هذا الشكل الفني نجح المخرج في التعريف بالأحداث حيث توضيح ما يختلج في نفس الشخصيات مع تقديم انعكاساتٍ للحالة العامة عبر الغناء، حيث قد مثل الغناء الذي صدح به الفنان عمر أبو صقر ما هو أشبه بالكورس في المسرح الكلاسيكي، وقد نجح المؤلف في طرح الثيمة الأساسية، عن طريق حواراتٍ معبرة، زادتها التقنية الإخراجية دويًا متواصلًا، مشحونًا بالخوف والترقب، من خلال الإضاءة والإيقاع. كما استطاعَ المخرجُ ربط المتلقي نـحو عوالمه، وشده بقوة نـحو التراث، فلم يترك له، إلا خيارًا واحدًا، هو النهاية الحاسمة والمشؤومة باتجاه المجهول والذي ظل الجمهور يترقبها حتى اللحظة الأخيرة من المسرحية، واستطاعَ عمر أبو صقر أن يجعلَ ألوان التراث المقدمة على خشبة المسرح جزءًا لا يتجزأ من سينوغرافيا المسرحية، وكلًا واحدًا مع مفردات العمل بأكملها.
أما عن السينوغرافيا فقد وفق المُخرج في وضع ديكور تم توظيفه دراميًا ودلاليًا، حيث أشارَ للمكان بوضوح، وعبر صورة بصرية مثالية انعكست من خلالها حياة البحر، كما تم إدخالُ المشاهد في اللعبة المسرحية فأشعرته بأنه جزء من الحدث بامتداد السفينة من عمق المسرح في اتجاه الجمهور، إلا أن أكثر ما عاب هذا الديكور أنه لم يستخدم فضاء المسرح بصورةٍ مثلى، حيث انـحصرت منطقة التمثيل في مساحةٍ ضيقة رغم وجود عددٍ كبير من الممثلين الذين مثلوا البحارة على ظهر السفينة، ويمكننا القول إنه على الرغم من احتوائه على قدرٍ من الإبهار البصري إلا أنه شكل عائقًا أمام حركة الممثلين.
لكن ذلك لم يتلف كثيرًا من جمالية الشكل الذي تميز بها ديكور المسرحية وساعدته في تلك الجمالية الإضاءة وتوزيعها على خشبة المسرح وتعبيرها عن حالات السكون والحركة والغضب والهدوء، وأيضًا المؤثرات الصوتية التي دعمت بعض المشاهد والحوارات. أما الأزياء فحملت فكرًا واكب أجواء العمل معبرةً عن تلك المرحلة التاريخية التي يناقشُها العمل، كما أضفت الروح التراثية التي تغلغلت في كل مفردات العمل.
وعن التمثيل، فقد نجحَ الفنان غازي حسين الذي جسد شخصية «العم» منتقلًا بين لحظاتٍ بها الكثير من المتناقضات، حيث العطف على ابن أخيه وإيماءاتٍ وحركاتٍ أخرى مثقلة بالجبروت الناشئ عما شاهده منه بعد أن تم خداعه، وقد استطاعَ غازي الصعود بذلك ثم الهبوط بعد انكساره أمام ما يراه من ابن أخيه، كما تمكنَ الفنان فيصل رشيد من إبراز ضعف شخصية جابر «ابن الأخ» أمام صديقه وتدرجه في الحالات الناشئة عما يسمعه من رفيقه على المركب وصولًا إلى رغبته في قتل عمه، وكذلك نجحَ في تقديم أدوارهم باقتدار كلٌ من الفنانين محمد الصايغ وأحمد العقلان وناصر حبيب وعمر أبو صقر.