عقدت اليوم، ندوة حول اللغة العربية ضمن فعاليات موسم الندوات الذي تنظمه وزارة الثقافة، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات والذي يمتد في الفترة من 17 وحتى 31 مارس الجاري.
حضر الندوة التي أقيمت بجامعة قطر تحت عنوان “هل تراجعت اللغة العربية في مجتمعاتنا” سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة وسعادة السيدة لولوة بنت راشد الخاطر مساعد وزير الخارجية، وعدد من أساتذة وطلاب جامعة قطر وضيوف الندوة.
وشارك في الندوة كل من الدكتور علي أحمد الكبيسي أستاذ اللغة العربية بجامعة قطر وعضو المجلس العلمي لمعجم الدوحة التاريخي، والشاعر عبدالرحمن الدليمي، والإعلامية آمال عراب، وأدارها الإعلامي محمد صالح.
وفي مستهل الندوة قال الدكتور علي أحمد الكبيسي إن الحكم بتراجع مكانة اللغة العربية في مجتمعاتنا يتطلب دراسة علمية وأبحاثًا جادة تشخص الواقع الفعلي بمنهج علمي رصين وتؤدي إلى نتائج معززة بوقائع حقيقية صادقة، مشيرًا إلى أنه مع غياب هذا النوع من الدراسات ليس أمامنا سوى الاحتكام إلى مؤشرات وظواهر يمكن من خلالها الوصول إلى أحكامٍ يغلب عليها الرأي الشخصي الذي يمثل وجهة نظر قائله.
وأضاف أن هناك ثلاثة آراءٍ بشكلٍ عام حول تراجع مكانة اللغة العربية أحدها يرى أن مكانة اللغة العربية تراجعت ولكنه أمر عارض وسيزول بزوال أسبابه، والثاني يرى أن مكانتها تراجعت ويحذر من تداعيات ذلك التراجع على الفرد والمجتمع والأمة، فيما يرى الفريق الثالث أن مكانة العربية محفوظة بنص القرآن وحكم الدستور، لافتًا إلى أن الرأيين الأول والثاني اعتمدا على الواقع الفعلي المتمثل في استعمال اللغة العربية في مواقف الحياة، في حين غض أصحاب الرأي الثالث الطرف عن هذا الواقع الاستعمالي متذرعين بحفظ العربية بالقرآن والدستور.
وتناول الكبيسي بشيءٍ من التفصيل أسباب تراجع مكانة اللغة العربية في عصرنا الحاضر نتيجة إقصائها من مقامات استعمالها المخصصة لها باستعمال اللهجة المحلية أو اللغة الأجنبية مكانها، وذلك بسبب المحيط الأسري الذي لا يعزز استخدام الأطفال للعربية الفصحى لتكون اللهجات واللغات الأجنبية بديلًا عنها، والمشكلات المتعلقة بالتعليم وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الكتابة والتعبير بشكلٍ خاطئ، وعدم الوعي بأهمية العربية ما أدى إلى تفضيل اللغات الأجنبية، وضعف الإقبال على القراءة باللغة العربية، واعتماد كثير من وسائل الإعلام اللهجات المحلية، وشيوع استعمال اللغات الأجنبية في كثير من القطاعات، فضلًا عن عدم مواكبة التقدم التكنولوجي حيث ظلت اللغة العربية زمنًا بعيدة عن الاستعمال في هذا المجال حتى ظهرت مبادرات عربية أسهمت في تطوير أنشطة في مجال تقنيات اللغة العربية ومنها معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة.
وحذر الدكتور الكبيسي من وجود تداعياتٍ خطيرة لهذا التراجع،أهمها ما يتعلق بأجيال المستقبل من الشباب والبعد عن قيم المجتمع الثابتة والاضطراب في الهوية.
وطرح الكبيسي مجموعةً من الإجراءات التي تعزز مكانة العربية، أهمها الاهتمام بتعزيز دور الأسرة في إكساب الطفل العربي لغته الفصيحة، وتطوير مناهج اللغة العربية وطرق تعليمها وتعلمها في جميع مراحل التعلم بما يضمن التركيز على تعلم المهارات اللغوية المتنوعة وإجادتها، وتغيير النظرة السلبية إلى اللغة العربية وتكوين وعي لغوي يقدر مكانتها في حياة الفرد وبناء المجتمع والأمة وتخصيص برامج جادة باللغة العربية الفصيحة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة تسهم في تثقيف الجماهير وتحبب اللغة العربية إليهم، والعمل على وضع سياسة لغوية واضحة تعزز تنفيذ قوانين حماية اللغة العربية.
من جانبه، قال الشاعر عبدالرحمن الدليمي، في مداخلته إن السؤال عن اللغة ومكانتها في المجتمع يدفعنا لاعتقاد وجود عوائق صلبة أمام الوعي نأمل إزالتها من خلال إيجاد المكانة المناسبة للغة، لاسيما أن اللغة هي الجسر الموصل والمدخل الرئيس للوعي والمعرفة، مشيرًا إلى أن البحث عن اللغة ومكانتها، لا يقتصر عـلى اللغة كموضوع فقط، وإنما هو مركب من مجموعة عوامل أساسية ثقافية اجتماعية، وسياسية اقتصادية، وعوامل أخرى ثانوية نفسية.
وأضاف أن تراجع وتقدم مكانة أي لغة رهين لتفاعل مجتمعها الداخلي في خلق المعرفة وإدامتها فلا بد للمجتمع بتنوع أطيافه كلها من تفاعل حيوي مستمر ومواكب للواقع المادي والمعرفي والأخلاقي، مؤكدًا على أن اللغة العربية، لديها قدرة كبيرة على توفير الأرضية الرحبة لتناول المعارف بشـتى أنواعها وتراكيبها اللازمة في المكان والزمان المناسب لفظًا ومعنى، وأن شـواهد تقلدها المكانة العالية في التاريخ المعرفي العالمي عديدة، ومشددًا على أن اللغة العربية كأداة، مناسبة جدًا لتلبية الضروريات المجتمعية وأنه لا توجد أية صعوبة في تطويعها لصالح المجتمع وثقافته ومستوى فاعلية الوعي لديه.
وقال الدليمي: نـحن لا نؤسس لشيء جديد وإنما ننمي شيئًا متجذرًا لدينا، لأن اللغة العربية قد كتب لها الخلود، مطالبًا بضرورة مناقشة اللغة من حيزها الذي تبرز من خلاله معالم قوتها وجمالها، كالفلسفة والبحث العلمي والآداب والفنون السمعية والبصرية، مع أهمية مراجعة الجوانب الاجتماعية التي تؤثر فيها اللغة معرفيًا وأخلاقيًا.
بدورها، قالت الإعلامية الجزائرية آمال عراب: لا توجد أرقام رسمية توضح تراجع مكانة اللغة العربية وإن الحديث حول هذا الأمر يعبر عن تجارب ورؤى فردية أو مما نعيشه في المجتمع داخل بعض الأسر والمدارس أو ما نسمع في خطابات بعض المسؤولين الرسميين.
كما أشارت إلى إشكالية تراجع مكانة اللغة العربية في بلدان المغرب العربي وتحديدًا في بلدها الجزائر، بفعل الاستعمار الفرنسي الذي تجاوز بقاؤه في بلدنا القرن من الزمن، واستهدف اللغة العربية بدءًا من المساجد التي كانت تعلم اللغة العربية، وذلك بهدف عزل المواطن عن عروبته وهويته، مؤكدةً إصرار الجزائريين على مواجهة أهداف الاستعمار، فخرجت مبادرات وجهود في سبعينيات القرن الماضي لتعزيز مكانة العربية.
كما تحدثت عن الأخطاء الشائعة في اللغة العربية ورأت أن أصحابها يحتاجون إلى الكثير من الممارسة والاطلاع وأن يمتلكوا كل أدوات اللغة والاستمرار في تعلم كثير من الكلمات اللغوية، مشيرةً إلى تجربتها الخاصة بعرض فيديوهات توعوية عن أهم الأخطاء اللغوية الشائعة في وسائل الإعلام.
وشهدت الندوة في الختام حراكًا فكريًا حيث شارك عدد كبير من المثقفين والكتاب والإعلاميين في طرح آرائهم حول موضوع الندوة ومنها مداخلة الدكتور حسن النعمة رئيس مجلس أمناء جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، والذي حاول الإجابة عن تساؤل الندوة بالتأكيد على أن اللغة العربية لم تتراجع، وإنما استنزلت من عليائها، بعدما كان تأثيرها كبيرًا من التحفيز للهمم، مطالبًا بانتفاض المجتمعات العربية لتوحيد الجهود لتقوية اللغة، حتى تصل إلى مرتجاها، ومثمنًا في الوقت ذاته جهود وزارة الثقافة وحرصها على إثراء المجتمع بمختلف الآراء في موسم الندوات.
وفي تعقيب لها أكدت الكاتبة مريم ياسين الحمادي، مدير إدارة الثقافة والفنون بوزارة الثقافة على الدور البارز الذي تقوم به مؤسسات الدولة المعنية ومنها وزارة الثقافة في حماية وتعزيز اللغة العربية وخاصة مع صدور قانون حماية اللغة العربية.
ويهدف موسم الندوات إلى إثراء النقاش والحوار، حول العديد من القضايا الثقافية والفكرية والفنية عبر إقامة ثماني ندوات، بهدف نشر ثقافة التنوع ومنح نخب المجتمع من المفكرين والمثقفين والخريجين فرص تعزيز البيئة الفكرية، إذ تسعى وزارة الثقافة من خلال هذا الموسم إلى تأسيس بيئة فكرية تعزز دور الثقافة والمثقفين في خدمة المجتمع.
وسوف تعقد بعد غد /الأربعاء/ ضمن الموسم، ندوة بعنوان /الوسطية في الإسلام بين المثالية والواقع/، بمعهد الدوحة للدراسات العليا، فيما تقام في اليوم التالي ندوة: نـحن والغرب.. المركزية العربية ومفهوم العالمية.. عقدة الغربي بين الحقيقة والوهم.