صدرَ عن إدارة الإصدارات والترجمة بوزارة الثقافة ديوانُ سعد الشاعر، الذي يجمع بين دفتَيه مجهود سنوات من البحث والجمع والتحقيق من أجل الإحاطة بالتجربة الشعرية للشاعر سعد بن علي المسند، أحد رموز مدينة الخور الغراء في قطر، والديوان الذي يطبع لأول مرة، يحتوي على 112 قصيدة، ويقع في 263 صفحة من القطع الكبير، وفيه جمع المحقق جمعة بن خميس الغوانم المريخي، مدير بلدية الخور والذخيرة سابقًا، قصائد متناثرة عكست ما حفلت به حياة الشاعر من عطاء وكرم، وما جادت به من أخلاق رفيعة ومن قيم الدين الإسلامي الحنيف، وما عبّرت عنه من وطنية راسخة، ومن ضمن ما تقوله وزارة الثقافة في تقديمها للكتاب: «فضل المؤلف لا يقتصر على الجمع بل شمل تصنيف القصائد بحسب الأغراض، والتحقيق فيها بأمانة علميّة، فأخذ من الرواية الشفاهيّة ومما عثر عليه من مخطوطات.. لذلك يعدّ الكتاب مرجعًا مهمًا لكل المهتمين بالشعر النبطي في قطر والجزيرة العربية». بدورها، قامت الراية باستضافة عددٍ ممن شهدوا على المجهود المبذول في الكتاب، وممن أدلوا بدلوهم في هذا الجهد المتميّز، حيث تحدّثوا عن العائد من مثل تلك الإنجازات على المجتمع، وبالأخص أبناء الجيل الجديد، كما تحدّثوا عن الشاعر وقيمته وما يمكن أن يضيفه نشر ديوانه إلى الساحة الأدبية القطريّة، والخليجيّة عمومًا.
محمد بن حسن الكواري: تسليط الضوء على رموزنا الثقافية
قالَ الأستاذُ محمد بن حسن الكواري، مدير إدارة الإصدارات والترجمة: تتشرف وزارة الثقافة، بإصدار هذا الكتاب الذي يتضمن ديوان سعد الشاعر، الذي يعد قامة ثقافية وأدبية واجتماعية مميّزة، مؤكدًا أن هذا الإصدار يعد جزءًا من إسهاماته في مجال الشعر الذي أخلص له عبر سنوات طويلة، وهو ثمرة جهد الباحث جمعة بن خميس المريخي الذي لم يتوانَ في إتقان عمله كمحقق للديوان من أجل التعريف بقامة شعرية كبيرة، ولإظهار إرث ثقافيّ مهمّ لتطلع عليه الأجيال الجديدة، وفي هذا السياق، أكّد على أن وزارة الثقافة تبذل أقصى ما في وسعها لدعم تلك النوعية من الأعمال التي من شأنها تسليط الضوء على الرموز الأدبية والثقافية بوطننا، وأكّدَ على أن الإدارة تدعم كل فكرة جديدة، وكل ما من شأنه إثراء الساحة الأدبية وتقديم الإضافة للمكتبة القطرية، مُشيرًا إلى أنَّ هذا الديوان يعد الأول للشاعر الكبير، حيث لم يسبق أن صدر عنه أي مطبوعة من قبل رغم ثراء إنتاجه الشعري، حيث لم يكتب لأعماله الخروج للنور، فلم تخرج عن كونها مخطوطات لم يكن بالإمكان أن يراها كل الناس، وهو ما يزيد من قيمة هذا الإصدار الجديد.
راشد بن سعد المهندي: إضافة للشعر المحلي والخليجي
من جهته، أكّدَ الأستاذُ راشد بن سعد المهندي، مديرُ المنطقة التعليمية لمدينة الخور سابقًا، على قيمة إخراج ديوان سعد الشاعر إلى حيّز الوجود، قائلًا: هو بلا شك عمل كبير وقيّم، وجهد رائع يُشكر عليه مؤلفه، وإن كان لا يحيط بكل نتاج سعد بن علي الأدبي، إلا أنّه سيعيد إلى الذاكرة سيرة هذا الشاعر الكبير الذي ظل حيًا بدون وجود ديوان يحفظ نتاجه، وذلك بسبب ذكره الطيب، ومكانته الاجتماعية العالية، ومواقفه النبيلة، وكرمه الحاتمي، وسيرته العطرة، ويقينه العالي بالله، وكونه رجلًا مستجاب الدعوة، مجبولًا على حب الخير، ومساعدة الناس بدون تردّد. وأضاف: الحديث عن الشاعر وقيمته لا يمكن اختصاره بكلمات سريعة، أو إجماله بعبارات وافية في عجالة. لافتًا إلى أن هذا الديوان يمثل إضافة أدبية للساحة الشعرية القطرية والخليجية، يقتنيها كل محب لسعد بن علي الشاعر. ويقول راشد بن سعد المهندي: لا بدّ أن يكون للجانب الإعلامي المرئي دوره المميز في تسليط الضوء على هذه الإنجازات الأدبية، وهذه الشخصيات المرموقة، لتعريف الناس بها داخليًا وخارجيًا، وإبرازهم كرموز مؤثرين في واقعهم الاجتماعي المعاش آنذاك، وحول الجهود التي يجب أن تبذل لتحقيق المزيد من النجاحات في حفظ المأثورات، أكد المهندي أنَّ أولها إعادة المأثورات الشعبية والتراثية التي تم جمعها وتدوينها وتوثيقها من قِبل مركز التراث الخليجي السابق، ومن بعده إدارة التراث الشعبي بوزارة الإعلام القطرية، من مخازن قناة الريان حتى لا تُفقد وتتلف، وقال: إن على الكتّاب والمؤلّفين المعنيين بشؤون التراث في وزارة الثقافة وكتارا أن يقوموا بتأليف كتب تختص بجميع موضوعات التراث القطري، كلٌ حسب مادته، لتكون محفوظة في قنواتها وأوعيتها الأدبية، وطالب بتشجيع الشباب المهتم بالتراث الشعبي من خلال دعم وإبراز أعمالهم، وكذلك دفعهم للإنجاز في الجوانب التي يحبّون الكتابة فيها.
وفي نهاية الحديث، قال: أتمنّى أن نجد نتاج سعد بن علي الشاعر كاملًا وهو ما يطلق عليه «البنك».
جمعة بن خميس المريخي: حفظ التراث ونقله للأجيال مهمة وطنية
قال محقق الكتاب جمعة بن خميس الغوانم المريخي: إنَّ سعد بن علي المسند من الشعراء البارزين في قطر والخليج، كما أنّه كان نوخذة مشهورًا، ويملك سفينتَي غوص من نوع السمبوك، الأولى هي الفلاحي، والثانية سمحان، كما عرف بكرمه الحاتمي الذي تعدى حدود قطر ليشمل كلَّ دول منطقة الخليج العربي. وهو من مواليد مدينة الخور تقريبًا عام 1858، وتوفي عام 1946، وكان مثالًا يحتذى به في الكرم والتوكل على الله في كل أمور حياته، حيث تميز بالأخلاق، كما تفرد في الإبداع الشعري، وكان إيمانه بالله وتوكله عليه حق التوكل من مآثر الشاعر. ويشير المريخي إلى أنّ أبرز ما يؤكد على تلك الصفات العديدة الحميدة هو أنه على الرغم من وفاته منذ ما يقرب من 76 عامًا إلا أن اسمه لا يزال يتردد في مجالس الخور إلى اليوم، كما أن ابنه كان شاعرًا كبيرًا وهو عبد الله بن سعد، وقد طبع ونشر له أكثر من ديوان. ويعد هذا الديوان هو الأوّل الذي يصدر عن إنتاج الشاعر. وحول آلية العمل التي اتّبعها لإنجاز عمله، قال: حصلت على مخطوطات تمثل أجزاء من ديوانه المسمى «البنك» في إطار المساهمات من قِبل الراغبين في إبراز الدور الأدبي الكبير، الذي قام به الشاعر، وقد حصلت في عام 2002 على أوّل جزء ساعدني في البدء بإنجاز الكتاب، ثم توالت الأجزاء الأخرى، ويضيف: كان الجزء الأول يحمل عنوان «دليل المحتار ومزيل الهموم والأفكار»، والثاني «البحر الزاخر فيما قاله سعد بن علي الشاعر»، والثالث «الإشارة في قصائد حرب الزبارة»، وعلى الرغم من أنني استطعت تجميع عدد كبير من القصائد إلا أنَّ هناك العديد منها ما زال مفقودًا، بالإضافة إلى أننا استبعدنا أكثر من 40 قصيدة من الديوان، ويوضح أن الديوان خرج في 112 قصيدة، وقد حرص على ذكر اسم كل من ساهم معه في إنجاز الكتاب عن طريق مدّه بالمخطوطات التي عمل من خلالها، مشيرًا إلى أن الجزء الأول من المخطوطات حصل عليه من أحمد بن عبداللطيف المسند، بينما حصل على الجزء الثاني من سعد بن علي الحسن المهندي، وأعطاه الجزء الثالث حفيد الشاعر سعد بن راشد المسند، بينما قام بمراجعة الديوان علي بن عبدالله الفياض. وحول سبب اهتمامه بالعمل على ديوان سعد الشاعر، قال: إنّه حرص على تأصيل الأدب القطري بحفظ تراثه المتميز بكونه ينتمي لفطاحل الشعر في المنطقة بأكملها، مؤكدًا أن حفظ ذلك التراث ونقله للأجيال يعد بمثابة مهمة وطنية جليلة يجب أن يقوم بها كل من يملك مقومات ذلك العمل، ويؤكّد أن العمل قد استغرق وقتًا طويلًا من أجل إنجاز ذلك الديوان، فهو من ناحية قد حرص على التزام الدقة في العمل من أجل خروجه في أبهى صورة، ومن ناحية أخرى كان حريصًا على الانتهاء من العمل وتقديمه في عام 2022، وهو ذات العام الذي سيشهد احتضان قطر المونديالَ، حيث إنّ هذا العام مملوء بالإنجازات على كافة الصّعد سواء كانت رياضية أم ثقافيّة، أو غير ذلك.
صقر بن لحدان المهندي: يوثق حقبة مهمة من تاريخ قطر
يقولُ الباحثُ صقر بن لحدان الحسن المهندي: يعدُّ سعد الشاعر من أبرز شعراء قطر في عهد المؤسّس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، وابنه الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، وكل ما يقال ويكتب عنه لا أعتقد أنّه سيوفّيه حقه، فالشاعر سعد كان كريمًا، ودمث الأخلاق، وكان يذود بشعره الحماسي عن قطر وأهلها. ويذكر الباحث أنَّ من أبرز صفاته كذلك اتساع فكره وطلاقة لسانه، ومعرفته بالحكام والرجال والشعراء، كما كان من أبرز شعراء العرضة في وقته، فله الكثير من تلك القصائد، مُشيرًا إلى أنّه كان محبًّا للصحراء وطبيعتها، وكذلك البحر، حيث تمرّس فيه حتى أصبح نوخذة على سفينته الخاصة. ويؤكّد المهندي على أنَّ قصائد سعد الشاعر، وثّقت حقبة مهمة من تاريخ دولة قطر، وأضاف: مما لا شك فيه أن مثل هذه الأعمال الأدبية تربط أبناءنا من الجيل الحاضر بجيل وتاريخ آبائهم وأجدادهم. وحقيقة لم تألُ الدولة جهدًا في حفظ المأثورات الشعبية والهُوية الوطنية، والبحث، والتوثيق لمثل هذه الأعمال، فقد قامت مشكورةً بتخصيص عدة أقسام وإدارات في عدة وزارات في الدولة للبحث في المواضيع التاريخية والأدبية، وكذلك شجعت ودعمت المؤلفين والكُتّاب لإبراز أعمالهم. ويقول المهندي في ختام حديثه: أعتقد أنّه لا يتحقّق نجاح أي نوع من هذه الأعمال التراثية إلا عن طريق مرورها من خلال لجنة مُختصة بتاريخ وتراث قطر، وكذلك اعتمادها على المصادر الموثوقة كالتّاريخ الشفاهي، والكتب والدراسات الموثوقة.
علي بن عبدالله الفياض: الديوان ثروة أدبية ولغوية وتاريخية
قال الباحث علي بن عبد الله الفياض، مدير مكتبة علي بن عبد الله الفياض بمدينة الشمال: إنَّ صدور ديوان لشاعر بحجم سعد بن علي المسند المهندي الذي عرف واشتهر باسم سعد الشاعر هو حدث كبير، يجب أن يُحتفى به، فهو شاعر من أكبر وأشهر شعراء قطر منذ أواسط القرن التاسع عشر وصولًا إلى الأربعينيات من القرن العشرين المنصرم، مُشيرًا إلى أنه كان خلال هذه الفترة أحد أبرز شعراء قطر، وكانت له أدوار سياسية واجتماعية معروفة، كما كان أكثر الشعراء منافحة عن وطنه، وبرز دوره الكبير أثناء حرب الزبارة سنة ١٩٣٧م، حيث تصدّى ودافع بشعره دفاعًا قويًا عن وطنه، وأبدع أروع القصائد التي ستبقى خالدة في ذاكرة الوطن وأبنائه المخلصين، كما كتب الشعر الاجتماعي الذي دافع فيه عن الفقراء والمعوزين، ودعا الأثرياء إلى مساعدتهم، وله قصائد جميلة مؤثّرة في المواعظ والحكم، وله غزليات رقيقة عذبة، أما على المستوى الإنساني، فقد عُرف عنه الطيبة والمروءة والشهامة والنخوة والخلق الحميد، وتوكله على الله، كما اشتهر بالكرم، وله في ذلك قصص كثيرة، وحول رأيه في الديوان الذي صدر للشاعر، قال: أستطيع أن أؤكّد أن هذا الديوان يعد ثروة أدبية ولغوية وتاريخية، وسيكون له عائد كبير على المجتمع والأجيال الجديدة إذا أحسنت قراءته وتم فهمه ودراسته بتعمق، كما أن به مجالًا واسعًا لدراسة اللهجة القطرية القديمة. ويرى الفياض أن هناك جهودًا يجب أن تبذل من قبل الكُتّاب والدارسين والإعلاميين، كل في مجاله، فالكاتب الأديب ينبغي أن يلتفت إلى تراثه، علمًا بأن الباحث الأكاديمي في التاريخ سيستفيد كثيرًا من الديوان ليستخرج منه كثيرًا من الأحداث التاريخية التي لم تسطر في الكتب. وطالب الفياض ببذل المزيد من الجهد لجمع وحفظ ونشر المأثورات، مُشددًا على ضرورة إيجاد خُطة دائمة مستمرة، ومركز أو مؤسسة معنية بحفظ الموروث حتى لا تظل مواده مبعثرة متناثرة، مؤكدًا على أن العمل في هذا المجال يحتاج للاجتهاد والمثابرة والعزيمة والهمة؛ لأن طريق البحث في التراث شاق ومُضنٍ، ويعتمد على العمل الميداني، وفي كلمة أخيرة وجهها الفياض للشباب دعاهم إلى قراءة التراث الثقافي والأدب الشعبي القطري ليعرفوا ويتعلموا من حياة أجدادهم وآبائهم الكرام الذين كافحوا وخاطروا بحياتهم في سبيل العيش الكريم وليبنوا لهم أسس المجد المؤثل العظيم الذي يعيشون في كنفه اليوم.