تحظى الفنون البصرية باهتمام دولة قطر لما لها من دور حضاري في الارتقاء بالمجتمع وإذكاء الوعي الثقافي، فتتضافر جهود المؤسسات المعنية بالفنون سواء الأكاديمية أو الثقافية ، ليكون الفن في قطر معبرا عن هويته الذاتية والتي تعتبر جزءا رئيسيا من منظومة الحضارة الإسلامية.

وأكد السيد حمد العذبة المنسق العام لفعالية الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2021، اهتمام فعاليات الاستضافة بتعزيز الفنون وخاصة الفنون الإسلامية التي تعبر عن الهوية الثقافية للفنون في قطر.

وأوضح بمناسبة اليوم العالمي للفن، الذي يوافق الخامس عشر من أبريل من كل عام، احتضان العاصمة لكثير من الفعاليات والمعارض الفنية التي ترسخ الهوية الثقافية لدولة قطر خلال هذا العام، حيث سيتم تنظيم أكثر من مائة فعالية منها العديد من الفعاليات المتعلقة بمحور الفنون بمختلف أشكالها.

وقال إن دولة قطر لديها اهتمام كبير بالفنون وأن الفن له دور بارز في المشهد الثقافي القطري عبر جهود مؤسسات الدولة المختلفة سواء الثقافية أو التعليمية، أو حتى الفنانين الذي ينثرون إبداعهم الذي يظهر جمال الهوية القطرية في التشكيل والنحت والتصوير والخطوط والزخارف، مشددا في الوقت نفسه على أنه بالرغم من وجود التنوع الثقافي في الدوحة الذي يسمح بوجود تنوع في المدارس الفنية العربية والعالمية، فإن الفن القطري يحتفظ بنسقه الثقافي وهويته الذاتية.

وأضاف أن احتفالية الدوحة عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي والمقامة تحت شعار “ثقافتنا نور” تبرز عبر الفعاليات الفنية التي تقيمها اللجنة العليا المنظمة للاحتفالية، من خلال الشركاء الاستراتيجيين ومنهم متاحف قطر والمؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” ومؤسسة قطر، مدى اهتمام دولة قطر بالتراث الإسلامي بشكل خاص والفنون الإسلامية بشكل عام، وهو ما يبدو في متحف الفن الإسلامي الذي تتوفر فيه قطع أثرية وأخرى تاريخية إسلامية تتحدث عن القرون الماضية، إلى جانب تراث الدوحة المعماري مما يشكل عنصرا جماليا يبرز جماليات معالم الدوحة التي تشكل منارة فنية.

وشدد العذبة على أن إلغاء الفعاليات الجماهيرية والمعارض الفنية الواقعية لا تشكل تحديا كبيرا أمام اللجنة المنظمة للدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي، وقال، “إن الفعاليات الفنية التي يتم تنظيمها افتراضيا، تمنحنا فرصة الوصول إلى جمهور أوسع خارج قطر للتعريف بالفنون في قطر وأهم خصائصها حيث تتسم بالانجذاب نحو الهوية الثقافية في قطر، فنجد فنوننا العربية متجذرة في الفنون الحديثة فنجد الخط العربي والزخارف والحروفيات وغيرها، بل إن بعض الفنانين القطريين لهم أسلوبهم الخاص وأدواتهم الخاصة”.

وحول البعد التاريخي في الفنون عن المسلمين أكد السيد علي عفيفي علي غازي الباحث في التاريخ، أن الخط العربي يعتبر جوهر الفنون الإسلامية زمانيًا، لأنه يمثل الأساس الذي قامت عليه الفنون الإسلامية لأكثر من 14 قرنًا، وتمحورت حوله باقي الفنون كالزخرفة والتذهيب والرقش والتجليد وغيرها من الفنون، كما يمثل جوهر الفنون الإسلامية مكانيًا، لأنه يشكل مجالات الفن الإسلامي في صورة تميز وحدة الأمة الإسلامية في عقيدتها وتاريخها وعلومها وفنونها على امتداد رقعة العالم الإسلامي.

كما لفت إلى أن الخط العربي يمثل أيضا جوهر الفنون الإسلامية موضوعيًا، إذ إن نظرة المسلمين للتجسيد المادي في الرسم جعلتهم يتجهون لفن الخط العربي، الذي ارتبط بالقرآن الكريم، فأبدعوا وتفننوا فيه، واستولدوا الخطوط، حتى بلغت أنواعها أكثر من 20 نوعًا، بل إن النوع الواحد منها تفرق إلى فروع كثيرة، فمثلا الخط الكوفي، عرفوا منه الكوفي المورق، المزهر، المربع، كوفي المصاحف، وغير ذلك، مشيرا إلى أن المسلمين استخدموا الخط في زخرفة المساجد والجوامع والمدارس والمستشفيات والقصور والأضرحة والقبور والمكتبات، وغير ذلك، فأسهم الخطاط العربي في إخراج التحف الفنية الإسلامية سواء في العمارة أو الفنون التطبيقية أو التشكيلية.

من جانبه قال الفنان القطري حسن الملا، إن لكل بلد هوية فنية خاصة به، ومن المهم أن نعبر عن هويتنا الفنية في فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة الإسلامية، لأن الأجيال الجديدة غالبا ما تتبع الأجيال السابقة في النهل من المعطيات الحضارية الموجودة في البيئة، ولذلك نجد تفاوتا واختلافا بين الفنون في العراق عنها في مصر أو سوريا أو منطقة الخليج ومنها دولة قطر التي تميز الفن فيها بالاهتمام بحياة البحر والغوص واللؤلؤ، فالفنان يرى البحر من حوله في كل مكان ومن الطبيعي أن يعبر عن مشاهده اليومية، إلى جانب حياة البر ولذلك نجد تميز الأعمال الفنية في قطر بالألوان الحارة مثل “الأحمر والأصفر” حتى في النمط المعيشي من مطرزات بدوية وخيام وملابس وهذا كله يؤثر في الفنون البصرية.

وأضاف أن الفن القطري رغم ذلك تأثر بالثقافة العربية والإسلامية، فنجد الحرف العربي والزخرفة العربية جاء نتيجة تأثير الأتراك وغيرهم، إلى جانب التأثر بالأحداث في منطقتنا العربية مما يجعل هناك مشتركات فنية عربية وإسلامية إلى جانب خصوصية الفن القطري.

وبدوره ثمن الفنان القطري سلمان المالك ، الاهتمام المحلي والدولي باليوم العالمي للفن، مؤكدا أن الفنون في قطر ومنها الفنون البصرية ارتبطت بالأرض والموروث الشعبي سواء في حياة البر أو البحر، حيث يحرص الفنان القطري بتقديم الموروث الشعبي في قالب معاصر يتماشى مع معطيات الفنون الحديثة ، مؤكدا أن الفنون في قطر ارتبطت ارتباطا وثيقا كذلك بالحضارة الإسلامية والشواهد على ذلك نجدها في العمارة القطرية والنقوش الجصية المستوحاة من المكعبات والمنمنمات، حتى الأبواب القديمة التي استلهمت تشكيلها من الفنون الإسلامية فنجد الدوائر المستوحاة من الهلال والمربعات المستوحاة من شكل الكعبة، فالفنون الإسلامية كانت ومازالت حاضرة في الفن القطري شأن كل دول العالم الإسلامي انطلاقا من التراث الإسلامي.

وحول الاهتمام بتعليم الفنون في قطر ومدى ارتباطها بالوجدان القطري قال الدكتور عيسى ديبي رئيس قسم الرسم والطباعة في جامعة فرجينيا كومنولث، على الرغم من أن قسم الرسم والطباعة بالجامعة مبني على النموذج الغربي الذي يعمل على تطوير الحركة الفنية في المجتمع القطري، إلا إننا حريصون على تعزيز الهوية الوطنية في الفنون، وذلك من خلال متابعة الطلاب القطريين فلا يوجد خوف على الهوية القطرية، حيث هناك ارتباط بالتراث والثقافة القطرية والجامعة تحاول مساعدتهم في بناء أدوات وان اهتماماتهم الثقافية لبناء مسيرة ثقافية من خلال الفنون ، مشيرا إلى أن البرنامج الدراسي يؤهل الطالب لمعرفة بداية المسيرة والبحث عن الذات.

وفي الوقت ذاته لفت الدكتور عيسى ديبي إلى دور المجتمع الذي يحمي الهوية سواء في الفنون أو الثقافة بشكل عام وهذا ما نجده من متاحف قطر وتحديدا متحف قطر الوطني، إلى جانب اهتمام مطافئ مقر الفنانين بتقديم منح للطلاب وتوفير أستوديوهات وإقامة فنية مما يجعل الحفاظ على الهوية القطرية مرتكزا أساسيا في الفنون.

وأضاف “أن الجيل الأول من الفنانين القطريين لهم حضورهم العربي، ولهذا نسعى لبناء علاقات مع المدن العربية والإسلامية، لأن ثقافة الفنان لا تنتهي بحدود قطر وما ينتجه الفنانون في قطر يعبر بالطبع عن الثقافة الإسلامية، مؤكدا أنه تعليم الفنون والثقافة لا يمكن أن تكون خارج السياق الذي يرتبط بالثقافة المحلية والتي لها عمق تاريخي وثقافي يرتبط بالحضارة الإسلامية بشكل عام”.

وكان المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة قد اعتمد 15 إبريل، في دورته الأربعين المنعقدة في العام 2019 اليوم العالمي للفن، وتتمثل رؤيته، في توطيد أواصر الصلة بين أشكال الإبداع الفني والمجتمع، وإذكاء الوعي بتنوع هذه الأشكال، وتسليط الضوء على مساهمة الفنانين في تحقيق التنمية المستدامة. كما يقدّم هذا اليوم العالمي الفرصة للوقوف على مسألة تعليم الفنون في المدارس، وذلك إيماناً بالدور المفصلي للثقافة في تمهيد الطريق نحو تعليم منصف وشامل للجميع.