في تواصل لمُبادرة «ما بين الرفوف» الأسبوعية التي ينظمها الملتقى القطري للمؤلفين، ناقش كل من الكاتب حسن الأنواري، والكاتبة ريم دعيبس كتاب «أرض البشر»، وهو سيرة ذاتية للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت، يروي خلالها الكاتب تجربته في قيادته لطائرات البريد الجوي عبر صحراء شمال إفريقيا. في بداية الجلسة عرّفت الأستاذة ريم «دو سانت» بكونه طيارًا وكاتبًا فرنسيًا، ولد عام 1900 في مدينة ليون ومات في مهمة من أجل فرنسا عام 1944، حيث كان صاحب رسالة وحاول في مُختلف رواياته أن يعثر على معاني كل سلوكيات مُجتمعه وأن يُحلل القيم الأخلاقية في أوساطه كمُجتمع عصري ومُتحول بسبب التقنية الحديثة، فيما أوضح الأنواري أن الكاتب استمد موضوع كتابه من تجربته الشخصية في عمله كقائد لطائرات البريد الجوي الفرنسي حيث التقى خلال هذه الفترة العديد من العرب الرُّحّل، وهو ما جعل هذه السيرة التي مزجها بحس أدبي وفلسفي مُمتعة وعميقة، فهي رحلة لتعرُّف المرء على نفسه من خلال تصرفاته أمام ما يُصادفه من تحديات، تصل إلى ذروتها عندما يحكي «الكاتب» عن نجاته بأعجوبة بعد تحطم طائرته في الصحراء.
واستعرضت ريم أهم أحداث الكتاب الذي تدور مُعظمها في مقصورة الطائرة البريدية التي تقطع البحار والمحيطات والصحاري، فرغم ضيق المكان الذي يجلس فيه القائد إلا أنه يُطل على العالم الشاسع الرحب ويتمتع باكتشاف الجبال، وبجمال النجوم ليلًا كما يجول الكاتب بين أزمنة مُختلفة مُتداخلة بين لحظات التحليق الليلية وذكريات التدرب وحديث الأصدقاء في مقاهي المطارات انتظارًا للإقلاع أو ترقبًا لأخبار طائرة فقدوا أثرها وهم يسترجعون مناقب قائدها المغوار.
وأشار الأنواري إلى أن بعض أحداث هذا العمل في الصحراء الليبية التي تم تصويرها بدقة مُتناهية، فهي تبعث الخوف في قلوب الطيّارين لأنهم يَجهلون تضاريسها، ويشاء القدر أن تسقط طائرة سانت على رمالها الحجرية الجرداء لتبدأ رحلة الصراع مع الطبيعة ومع الموت وسراب الحياة. وأكد أن «أرض البشر» كتاب عصي على التصنيف إذا احتكمنا إلى قانون الأنواع الأدبية، فهو سرد لتجربة واقعية مع طموح الارتقاء بنصه إلى تجاوز التاريخ للدخول في رحاب الأدب الحامل لقيم إنسانية فوق الزمان والمكان، فهو يحمل القارئ إلى رحلة في الفضاء ليزور الهواجس والأماكن التي مر بها الكاتب فيُشاركه مُقاومته النوم وشعور التيه ولحظات رُعب السقوط وخفقان القلب عند لحظات الترقب ومُحاولات تصليح المُحرّك.