انطلق أمس مؤتمر معهد الدوحة الدولي للأسرة، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، افتراضياً تحت عنوان «الزواج: التأسيس ومقومات الاستمرار»، حيث استقطب قرابة 1000 مشارك من مختلف أنحاء العالم، لتبادل النقاشات حول القضايا التي تؤثر على الزواج وتكوينه.
ويأتي تنظيم المؤتمر في ظل الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي يتعرض لها الشباب حول العالم، والتحديات التي يواجهونها عند بدء حياتهم الزوجية، ما جعل من الضروري العمل على إيجاد وتطوير سبل الدعم والسياسات المناسبة لمساعدتهم في بناء حياة زوجية مستقرّة.
وقد تخلل اليوم الأول من المؤتمر الذي يستمر لمدّة ثلاثة أيام، ثلاث جلسات نقاشية تناولت العوامل المختلفة المؤثرة على تشكيل الزواج ونجاحه. ومهدت الجلسة التي انعقدت بعنوان «التصورات أولاً: الفرق بين الرجل والمرأة» النقاش حول التصورات المختلفة لصانعي السياسات والخبراء والشباب حول هذا الموضوع، وسلطت الضوء على تدابير الدعم والتعزيز اللازمة من خلال السياسات والبرامج لمعالجة مثل هذه القضايا.
ضمت هذه الجلسة مشاركة مميزة من صاحبة الجلالة تونكو حاجه عزيزة أمينة ميمونة اسكندرية بنت المرحوم المتوكل على الله سلطان إسكندر الحاج، ملكة ماليزيا، والتي شاركت أفكارها حول أفضل الممارسات التي تؤدّي إلى استقرار الزواج والنجاح، كما ضمت، أيضاً، السيدة أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والتي أضفت على المناقشة منظوراً عالمياً.
انضم إلى النقاشات، سعادة السيد صلاح بن غانم العلي، وزير الثقافة والرياضة بدولة قطر، والدكتورة شريفة نعمان العمادي، المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة، وريم البناو، خريجة جامعة حمد بن خليفة، في حلقة عقدت حول الشباب والزواج، أدارتها شيخة المري، عضو اللجنة الشبابية الاستشارية بوزارة الثقافة والرياضة بدولة قطر.
وتحدثت البناو عن العوامل التي تؤثر على قرارات الزواج لدى الشباب والشابات، موضحةً من تجربتها الشخصية القلق من فكرة تكوين الأسرة. وقالت: «كلما كنت أكبر، زاد خوفي من الزواج. ولكن قبل زواجي، بدأت بمراجعة مرشدة متخصصة في تدريب المقبلين على الزواج، وقد ساعدتني كثيراً في تصحيح تصوراتي عن الارتباط والزواج والأسرة. وكما يقال إن الزواج هو النواة، فأنا أرى أن نواة الزواج هي الفرد وتصوراته. علينا أن نعمل على تمكين الفرد، وأن نساهم في تعزيز وعيه في هذا المجال».
تكاليف تكوين الزواج
وفي جلسة عامة أخرى عقدت أمس تحت عنوان «الزواج والتحديات الاجتماعية والاقتصادية» تم تسليط الضوء على موضوع التكاليف السابقة لتكوين الزواج. وكان المتحدثون هم إما نيكلسون، بارونة وينتربورن، عضو في الغرفة العليا للبرلمان البريطاني في مجلس اللوردات بالمملكة المتحدة، ودينا ضواي، مدير إدارة المرأة والأسرة والطفولة في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وبشرى توفيق، مدير المعهد الوطني للعمل الاجتماعي التابع لوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة في المغرب. أدارت الجلسة الدكتورة أمل محمد المالكي، العميد المؤسس لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة في قطر.
في هذا الإطار، شرحت الدكتورة بشرى توفيق كيفية تأثير الزواج المتأخر على التنمية البشرية، قائلةً: «إن تأخر عمر الزواج وارتفاع القيم الفردية في مجتمعاتنا سيؤدي في نهاية المطاف إلى مُجتمع تنخفض فيه نسبة الشباب، وتزيد نسبة الشيخوخة. علينا أن نعمل معاً، وأن نتصل مع ثقافتنا العربية والإسلامية لمواكبة سرعة التغيرات الحاصلة، لردم هذه الفجوة، ولإبقاء المُجتمعات شابّة وحيويّة».
في جلسة تالية بعنوان «العمر والزواج: ما بين التأخر والزواج المبكر»، افتتحها المتحدث الرئيسي الدكتور لؤي شبانة، المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية، باستعراض إحصاءات التقدم والتأخر في سن الزواج في العالم العربي ومسبباته؛ أوضح الدكتور حمود فهد القشعان، عميد كلية العلوم الاجتماعية والدراسات العليا بجامعة الكويت واستشاري المراهقة والأسرة في الكويت «أن ما نشهده في الغالب ليس عزوفاً عن الزواج، وإنما تأخيراً فيهِ»، وذكر: «يحاول الشباب والشابات تحقيق طموحاتهم، ويودّون أخذ الوقت الكافي لإيجاد الشريك المناسب».
كما أكد القشعان على أهمية أنظمة الدعم، خاصة في المراحل الأولى من الزواج، قائلاً: «ثمة نزعة إلى إيصال القضايا الأسرية سريعاً إلى المحاكم، وفي الغالب، يتصرف أفراد الأسرة بعدم اكتراثية عالية. علينا أن نعلم أبنائنا كيفية التعامل مع شركائهم، وأن يتعاملوا مع قضاياهم لحل المشاكل الأسرية داخلياً».
شهد المؤتمر أيضاً كلمة رئيسية حول الاستثمار في تأسيس الزواج، لكفين سكينر، وهو أخصائي في قضايا الزواج والأسرة في الولايات المتحدة الأميركية، والذي سلّط الضوء على أهمية الزواج في التنمية الاجتماعية من منظور عالمي، موضحاً أن «الزواج مؤسسة تقوي الاقتصاد وتدعمه، وفوائده ليست مقتصرة على الزوجين فحسب، بل تمتد للأجيال القادمة».
استمرار العلاقات الزوجية
كذلك وفّر المؤتمر منصة لمعهد الدوحة الدولي للأسرة لتقديم كتابه حول «حالة الزواج في العالم العربي». وأوضح أحمد عارف، محرر الكتاب ومدير التخطيط والتطوير المؤسسي في معهد الدوحة الدولي للأسرة، أن التقرير يقدم تصور شامل عن حالة الزواج في 22 دولة عربية من منظور متعدد التخصصات. وأضاف: «يهدف معهد الدوحة الدولي للأسرة من خلال هذه المبادرة إلى زيادة القاعدة المعرفية حول الأسرة العربية، وتشجيع النقاشات والخطوات العملية استجابةً للتحديات الحالية التي تواجه مؤسسة الزواج في العالم العربي».
ويهدف معهد الدوحة الدولي للأسرة، من خلال هذا المؤتمر العالمي، إلى الدعوة لتطوير وتنفيذ السياسات والتدخلات وبرامج الحماية وأفضل الممارسات لدعم تكوين الزواج، والمحافظة على استمرار العلاقات الزوجية وسلامتها واستقرارها في جميع أنحاء العالم.
ويتضمن ثاني أيام المؤتمر جلسة رفيعة المستوى حول «العزلة والمجتمع»، بالإضافة إلى أربع جلسات عامة حول «أسس الزواج السعيد» و»التجارب والتحديات في الزواج العابر للحدود» و»هل فرضت التكنولوجيا حتميتها على الزواج حديثا؟» و»التغلب على تحديات الإعاقة والزواج». كما سيتضمن المؤتمر جلسة «اسأل مختص»، حيث يسلط الدكتور مصطفى أبو سعد، الخبير التربوي والاجتماعي من الكويت، الضوء على القضايا المحيطة بالتحديات في الزواج السعيد من خلال الرد على أسئلة حول هذا الموضوع من المشاركين في المؤتمر. كما سيشهد اليوم الثاني أيضاً، عرض تقرير معهد الدوحة الدولي للأسرة البحثي حول تصورات الشباب في قطر وخبراتهم حول الزواج السعيد المستدام.