ضمن سلسلة الجلسات النقدية «النقاد وما يقاربون» التي يشرف عليها ويديرها الدكتور عبد الحق بلعابد أستاذ قضايا الأدب والدراسات النقدية والمقارنة بجامعة قطر، استضاف الملتقى القطري للمؤلفين مساء الإثنين الباحثة والأكاديمية والمترجمة الدكتورة نور الهدى باديس المتخصصة في النقد والبلاغة والنظريات الأدبية من جامعة تونس لمناقشة من «إشكالية اللفظ والمعنى إلى تشكلات تحليل الخطاب النقدي».
وقالت الدكتورة باديس إنها حاولت خلال نطاق الجامعة إقامة مشروع كبير ومتكامل لإعادة قراءة التراث والبلاغة العربية قصد محاولة تجديدها وإعادة إحيائها من خلال عدة بحوث أصدرتها على مدى أكثر من عقدين، حيث إن أعمالها كانت من الأعمال المؤسسة، ومنطلقا أساسيا ورافدا لكافة الأعمال في مجال قضايا اللفظ والمعنى في مختلف العلوم، وهذا بمحاولتها استنطاق نصوص تراثية في اختصاصات مختلفة باعتبار أن كل عمل يحاول تجاوز التأريخ والوقوف عند المرحلة المفصلية، ونقاط التحول في سياق متحول، وهو ما يسمى بالمنعطف البلاغي.
وأكدت أنها في إطار بحثها عن علاقة اللفظ بالمعني وقفت على الأصل الجامع، وهو مفهوم البيان ونظرية البيان في التراث العربي، واعتمدت نصوص مهمة للجاحظ والجرجاني وغيرهم من البلاغيين المعرفين للوقوف عن الانسجام لإيجاد الخط الرفيع الذي يربط بين مختلف المراحل ومختلف الكتاب.
وأوضحت أن بذور نظرية العلاقة بين اللفظ والمعني كانت موجودة في النصوص القديمة التي يتحكم فيها هو ما يؤدي إلى الوضوح والإظهار وعدم اللبس، وهو ما يؤكد أهمية الوضوح والدلالة في البلاغة وهو ما يتجلى في معاني النص والخطاب.
وتابعت: القانون المتحكم في الدراسات الإبداعية في مختلف المستويات هو البيان سواء في الأدب القديم أو الحديث مؤكدة أن هناك تشابكا بين مختلف المجالات، وهو ما سهل انتقالها من عمل إلى آخر.
واسترسلت الدكتورة في شرح أطروحتها بالقول إنه لا يمكن معرفة مدى الابداع في نص معين إلا من خلال مقارنته بنصوص إبداعية ثانية وهو ما يتجلى في الخطاب الإعجازي للجرجاني، وأن العقل الشفاهي أنتج الأجناس الكبرى ثم بعد ذلك جاء العقل الكتابي باعتبار أن البلاغة الشفوية مرتبطة بفترة زمنية معينة وليس كل ما هو شفوي يكون واضحا وموجزا.
وأوضحت أن هناك نوعان من الاستعارة الأولى سطحية يتضح معناها بمجرد قراءاتها وتحيلنا مباشرة إلى المدلول والاستعارة الثانية استعارة العمق، التي يمكن التمييز بينهما من خلال الفرق بين المقامات الشفوية والمقامات الكتابية باعتبار أن المجال الشفوي لا يحتمل الخطأ والتردد والمراجعة والحذف في حين أن النص يدخلنا في بلاغة عمودية، وخلصت في بحثها في هذا السياق إلى أن المجال الشفوي الذي يوهم في الظاهر بكونه لا يقوم على طبقات في المعنى، هو في الواقع يعتمد على تسلح المتكلم بثقافة سياسية واجتماعية ونفسية وهوما يجعل الخطاب في علاقة تواصل مع البلاغة، التي تشهد تطورا وتحيينا وإعادة انبعاث على ضوء المستجدات والسياق، ومن هنا يمكن القول إن الخطاب يدخل في صلب قضايا البلاغة، مؤكدة أن الشفاهية الحديثة تختلف بشكل كبير عن شفاهية الكتاب القدامى.
وأشارت إلى أن الموجز يمكن أن يكون كثيفا من حيث المعنى ومركبا يحتاج إلى عمق، حيث إن الوسائط التقنية الجديدة تعتبر شكلا من أشكال الشفاهية الجديدة تقوم على سياقات وظروف تقبل وإنشاء جديدة.
ودعت الباحثين إلى إعادة النظر في النصوص العربية القديمة لفهمها على ضوء علم الخطاب وعلى ضوء النظريات اللسانية التداولية التي نشهدها اليوم دون السقوط في الاسقاطات المبالغ فيها حتى لا تموت ولا تتجمد العلوم، وتحافظ على تجددها من خلال القراءات والمناهج الحديثة، فالبلاغة وسيلة للتفكير والتعبير وآلية للتدبير حتى أن أغلب البلاغيين عادوا للبحث في سؤال الماهية دون محاولة ايجاد اجابة نهائية تنهي البحث، باعتبار البحث في البلاغة عملية متواصلة ومستمرة تستمد أهميتها ما السؤال، وليس الجواب.