نظمت وزارة الثقافة والرياضة أمس الجلسة الفكرية التي احتضنها مسرح قطر الوطني تحت عنوان «مقومات الشخصية القطرية» وذلك في إطار الاستعدادات لاحتفالات اليوم الوطني للدولة لهذا العام، والتي قدم ورقتها العلمية غانم بن سعد الحميدي، وأدارها الأستاذ عبد الله بن غانم المهندي رئيس تحرير جريدة الراية، وجاءت الجلسة ضمن سلسلة من الجلسات التي تنظمها الوزارة والتي تناقش الأحداث التاريخية في قطر: تحديات واستجابات، وتهدف من خلالها إلى مقاربة الأحداث التاريخية الكبرى التي رسمت التاريخ الكبير لقطر.
واستعرض غانم بن سعد الحميدي خلال الجلسة التي كان محور نقاشها بعنوان «1851 ما قبل وما بعد.. أحداث ميزت الشخصية القطرية»، التجربة التاريخية التي مرت بها قطر، وركز على أبرز الأحداث التي ساهمت في بلورة الشخصية القطرية، وبدأ حديثه بشرح مقومات الشخصية القطرية التي ميزت أهل قطر عن بقية محيطهم الإقليمي وأصبحت فيما بعد تلازمهم حتى الآن في أقوالهم وأفعالهم، ثم انتقل الباحث غانم الحميدي إلى شرح مختصر ونظرة شمولية على أدوار قطر التاريخية على مر العصور، كذلك مراحل التكوين التاريخي القطري وانتقاله من القبلية إلى الوطنية والتي أرسى قواعدها الشيخ محمد بن ثاني، ثم وقف لتفكيك سنة الفصل والتي ارتبطت تحديداً بواقعة مسيمير سنة 1851، والتي كانت بداية للحمة وطنية قطرية شملت الجميع.
أحداث متصاعدة
بعد ذلك بدأ الحميدي في استعراض مكون الشخصية القطرية في سياق زيارة رحلة الرحالة بلجريف إلى قطر في عام 1863، ثم تناول في سياق حديثه واستعراضه شخصية المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني رحمه الله في خضم الأحداث المتصاعدة في قطر والمنطقة، إضافة إلى تناوله الحدث الأبرز في تاريخ قطر في عقد الستينيات من القرن التاسع عشر، وهما واقعة دامسة والوكرة، ثم الوجود العثماني وخصوصية العلاقات القطرية العثمانية، وفي نهاية الجلسة استعرض الحميدي ثوابت الشخصية القطرية في سياق إلقاء الضوء على علاقة قطر بجيرانها ضمن نماذج منتخبة.
رؤى واستعراض
تناول الحميدي المحاضرة من خلال رؤيتين، الأولى استعراض الأفكار، بمعنى الاهتمام بأسباب الحدوث «ماذا حدث؟»، وليس «كيف حدث؟»، أما الرؤية الثانية فكانت من زاوية مؤرخ وطني، وهو ما جعله يرفع من الرؤية المحلية للأحداث.
وبدأ الحميدي في تفكيك عنوان المحاضرة، إذ أكد أن العنوان يتناول جزئية الشخصية القطرية، كما انه يتناول حدثا تاريخياً محددا بإطار زمني، ثم يتناول ما قبل وما بعد التاريخ المذكور وهو «1851»، وفي هذه المحاضرة استعرض مقومات الشخصية القطرية من خلال بعض المحاور وهي: مقومات الشخصية القطرية، قطر عبر العصور، محاولة لفهم أدوار قطر التاريخية والحضارية، من الوحدة القبلية إلى الوحدة الوطنية وتسلسلها التاريخي، 1851 سنة فاصلة «واقعة مسيمير»، الشخصية القطرية في رحلة بلجريف «1863»، بناء الأمة وظهور الزعامة في شخصية المؤسس، ثنائية العدالة والكرامة، واقعة دامسة والوكرة 1868، استدعاء القوات العثمانية 1871 والتواجد الرمزي، وأخيراً محور «قطر وجيرانها والمحافظة على الشخصية القطرية نماذج من أحداث 1874 – 1895».
سمات تميزها
وفيما يتعلق بأول تلك المحاور والمتمثل بـ«مقومات الشخصية القطرية» فذكر الحميدي أن مقومات الشخصية القطرية اشتملت على عدة سمات أساسية مهمة وهي: التسامح والتكاتف وكذلك تقدير قيمة الوقت، وأيضاً ثنائية الكرامة والعدالة، وتعزيز قيمة العمل والإتقان، وأخيراً سمة إعلاء قيمة العلم.
وتحدث الحميدي عن مقومات الشخصية القطرية ودلل على بعض التساؤلات وأجاب عنها بالمواقف التاريخية ولعل أبرز تلك التساؤلات هي المتعلقة بأهم المقومات التي تتمتع بها الشخصية القطرية، وهل هذه المقومات وليدة الصدفة، وهل حافظ القطري على هذه المقومات؟.
أدوار تاريخية
وجاء المحور الثاني من محاور الجلسة بعنوان «قطر عبر العصور، محاولة لفهم أدوار قطر التاريخية والحضارية»، وذكر الحميدي خلاله أن قطر لها خصوصية مكانية فهي منعزلة عن جيرانها، كما تطرق إلى دور قطر التاريخي في العصور القديمة إذ أنها حلقة بين منطقة الخليج دلمون في الشمال وماجان في الجنوب، كما تطرق أيضًا في هذا المحور إلى دور قطر التاريخي والحضاري في العصور الوسيطة والعصور الإسلامية، وخلال هذا الشق ذكر أنها كانت منطلق فتوح في الخليج العربي، ومحطة تجارية بين البصرة وعمان، وكذلك تطرق لكونها تتمتع بخصوصية مكانية، واستشهد بنص تاريخي نادر وهو نسخة من كتاب «أبي البهلول إلى ديوان الخلافة 480 هجرياً 1087 ميلادياً»، كتابي أطال الله بقاء الشيخ الاجل الاوحد، وأدام الله تمكينه ورفعته وعلوه وقدرته وبسطته وحرس أيامه ونعمته.. الفتية القطرية من آل عبد القيس ذوي الحفيظة والحمية والنفوس العزيزة الأبية.
كما تطرق في نفس المحور إلى جزئية مهمة وهي: قطر في العصور الحديثة، وتحدث فيها عن عدة نقاط وهي من الانقطاع إلى الاستمرارية ومن الاندثار إلى الازدهار، ونشأة قرى الغوص في قطر ضمن السياق الإقليمي والدولي، وكذلك تطرق إلى موجة الهجرات القبلية عبر قطر ومن قطر، ورحلة البحث عن مستقر، وأخيراً في هذا الشق تحدث عن بروز الحواضر القطرية: الدويلة، الزبارة، اليوسفية، فريحة.
خلاصة الجلسة
وفي خلاصة الجلسة لخص غانم بن سعد الحميدي ما ذكره بالمحاضرة في عدة نقاط وهي أن ثوابت الشخصية القطرية تؤكدها شواهد الماضي.. كتب الدكتور لويس ديم في تقريره عام 1923 يصف المرضى القطريين قائلاً: هم يعتدون بأنفسهم ولا يوجد على ظهر الأرض أناس أكثر اعتداداً بأنفسهم من سكان قطر.
أما النقطة الثانية في ملخص الجلسة فهي: خصوصية قطر حاضرة في رصيدها التاريخي، ورغم التحديات وكثرة الخصوم تنتصر قطر ثنائية القائد والشعب، رصيد قطر التاريخي يثبت تجاوز القبلية – وإن ظلت القبلية حاضرة في المكون الاجتماعي ضمن خاصية قطرية، واخيراً بين التحديات الإقليمية والصراعات الدولية لم تختف النزعة الاستقلالية لقطر وهي رصيد تاريخي للحاضر والمستقبل.
وفي نهاية الجلسة طرح الحضور مجموعة من الأسئلة ليجيب عليها الحميدي، ومن أبرز هذه الأسئلة ما تعلق بمحور الشغف والعمل والعلم الذي تميزت بهم الشخصية القطرية، وما دلالة هذه الصفات تاريخياً بشكل أوضح وأكثر تفسيراً، ورد الحميدي قائلاً: ذكرت في معرض حديثي خلال مقومات الشخصية القطرية وما تتميز به أن القطري شغوف بالعمل والعلم ويعلي من قيم العمل والعلم، كما أن القطري تاريخياً اشتهر بانتاجيته والدليل على ذلك الازدهار الاقتصادي غير المسبوق والتنامي في ثروات اللؤلؤ نحو 20 % من صناعة الغوص في الخليج في بحر قطر.
وفيما يتعلق بسؤال آخر تطرق إلى دلالة اللحمة الوطنية القطرية تاريخياً، فقال الحميدي: خصوصية قطر الجغرافية ارتبطت بحياتهم بالبحر، فاعتماد أجدادنا القطريين على البحر أدى إلى تماسكهم كمجتمع محلي، وجعلهم أكثر تماسكا ودفاعا عن أنفسهم من أي غزو خارجي.
فيما أكد أحد الحضور خلال مداخلته أنه يجب أن تخلد وتوثق هذه الأحداث في أعمال فنية ويتم إسنادها إلى جهات إنتاج على سبيل المثال للتعريف بها، وتعريف الأجيال الجديدة بأجدادنا وتاريخنا المشرف الذي نفتخر به، مبيناً أن كل ما ذكر خلال الجلسة سيناريو نفتخر به، وتساءل.. لماذا لا تُنشأ أماكن لتثقيف الأجيال الجديدة، للتعريف بتاريخنا المشرف وترسيخ كل هذا التاريخ؛ ليعمم على الأجيال بأعمال فنية، فهذا التاريخ المضيء لأجدادنا يجب أن يذكر ويخرج للجميع ونعرّف به الأجيال الجديدة.
الشخصية القطرية شغوفة بالعمل والعلم
30 نوفمبر, 2020