في ظل هجمة الوباء الخفي، يطرح المبدع القطري ذاته عبر ليلتين وللعام الثاني على التوالي، ذلك أن القائمين على أمر وزارة الثقافة والرياضة قد وضعوا نصب أعينهم أن الجمود تحت أي ظرف جزء من الموات، لذا فقد حركوا المياه الراكدة عبر تواصل حقيقي مع مجموعة من الأصوات القطرية تمثل كل الأجيال.

فالرعيل الأول يتمثل في الصديق الفنان علي عبدالستار والصديق صقر صالح، بجانب الجيل الثاني والمتمثل في فهد الكبيسي، منصور المهندي، عيسى الكبيسي، خالد سالم تركي، أحمد عبدالرحيم، بجانب أحمد علي الذي غاب لسنوات وها هو يعود ليغرد فوق فنن الدوحة في مسرح “المياسة”، كما أن الاحتفالية قد دعت عدداً من أبناء الجيل الجديد للحاق بالركب من أمثال الأعزاء سعود جاسم وشقيقه الفنان المتميز غانم شاهين بجانب الفنان عايل وخالد الدلوان وفهد الحجاجي ونايف عبدالله، وكنت أتمنى أن يلحق بهم مثلاً حسن الأحمد، وأعتقد أن اسمه قد سقط سهواً، ويعود إلى الجمهور مرة أخرى من تألق في العام الماضي الفنان الشاب ناصر الكبيسي، وهذا أمر يحمد للفعالية حقاً.

كل هؤلاء بجانب عدد آخر من الفنانين والفنانات من العراق وتونس، هناك من العراق الفنانتان أصيل هميم بجانب ابنة سندباد الأغنية العراقية رياض أحمد الفنانة رحمة رياض وصوت تونس الخضراء القدير لطفي بوشناق، كل هؤلاء مع كوكبة من أبرز الموسيقيين من أبناء الأناضول مع أبناء قطر في لوحة تكاملية تحاول أن تعيد للأذن سطوراً من الإبداع القطري عبر ألحان أجيال متعاقبة، مثل المرحوم عبدالعزيز ناصر والمرحوم حسن علي درويش وأصوات ترنمت ذات يوم عبر أشعار خليفة جمعان، جاسم صفر، مرزوق بشير وغيرهم في إثراء الساحة بأنغام ما زالت تعيش في الذاكرة الجمعية، نعم ليالي الأغنية القطرية تعيد لنا ذكرى أصوات عاشت وبعضها قد رحل سريعاً، ولكن تلك الترنيمات تردد حتى الآن.. بمقدور من أن ينسى مثلاً صوت المرحوم فرج عبدالكريم أو ألحان عبدالعزيز ناصر.

الأمر لم يقتصر على عودة الشريط الغنائي إلى الأذن العربية ولكن كانت المبادرة من قِبل سعادة وزير الثقافة والرياضة تكريم عدد من رموز الغناء، أولئك الذين ساهموا بدورهم في خلق أغنية بنكهة قطرية، والأجمل أن يأتي هذا التكريم وهم أحياء، لأن العادة جرت أن يتم التكريم بعد رحيل المبدع وهذا الأمر يحسب حقاً للوزير، فما أجمل الوفاء. وكنت أتمنى حقاً أن يتم أيضاً تكريم فنانة ساهمت بدورها في إطار الأغنية والأهازيج الشعبية وهي الفنانة المرحومة “فاطمة شداد” بجانب فنان تزاملنا في مشوار الإذاعة معاً عام 1968 حتى الآن، وهو من شعراء الأغنية والتراث الشعبي وأعني الصديق “خليفة جمعان” هل سقط اسمه سهواً مع نتاجه الثر؟، خليفة جمعان حقاً شاعر صاحب مفردة خاصة وملحن يغوص في الإيقاعات المرتبطة بضمير الناس البسطاء من أبناء قطر، أما عن إسهاماته في اللوحات الغنائية في المسرحيات فأتمنى أن يسأل عنها “النوخذا بو إبراهيم”، إن خليفة جمعان هو الركن الثالث في مثلث الأغنية القطرية “مرزوق بشير، جاسم صفر، خليفة جمعان”، كما كنت أتمنى حقاً أن يرافق هذا الإطار دعوة عدد من الباحثين في طرح عدة محاور عبر تقديم ورقة خاصة ذات ارتباط عضوي بمضمون الاحتفالية، ورقة بحثية جادة يقدمها باحث موسيقي من أبناء قطر أو أبناء الخليج عبر مضامين جادة مثل:
1- الأغنية الخليجية إلى أين؟
2-دور الموسيقار عبدالعزيز ناصر وأثره في الأغنية القطرية.
3- محطات في مسيرة كل من: فرج عبدالكريم، محمد رشيد، علي عبدالستار، صقر صالح، ناصر صالح.
4 إبداعات لحنية للموسيقار الراحل حسن علي درويش.
5- تطور الأغنية الخليجية.. أو أثر فن الصوت.

كل هذا عبر تكليف أحد أبناء قطر أو الخليج بتناول هذا الموضوع، وهذا لأن الآخر وعبر تجارب عدة قد مررنا بها واكتشفنا أنهم قد باعوا لنا الوهم، عبر بحوثهم مع الأسف.
أتمنى من الأستاذ تيسير عبدالله صاحب كل المبادرات أن يضع هذا الأمر نصب عينيه في المناسبات القادمة، وأن يدرج هذا الأمر في أجندته لو امتد بنا العمر إن شاء الله للسنوات القادمة.

إن اجمل اللوحات حقاً هذا الإطار من الحميمية بين أبناء بلدي وهم يغردون فوق فنن الدوحة، ويعيدون للأذن مرة أخرى الشجن الجميل، جيل يردد ما ورثه من الرعيل الأول، والأجمل روح الجماعة بين كل الأجيال في تلاحم حقيقي بين الآباء والأحفاد، وبين الشباب والفتيات مثل الفنانة أنوار وعائشة الزياني. بين فنانين هجروا الفن واستطاع تيسير عبدالله أن يعيدهم إلى ركاب الفن مرة أخرى مثل الصديق “نهار عبدالله” وأن يقدم الأصوات الجديدة مثل “نايف عبدالله”، والأميز اقتحام الميدان مجموعة من الأسماء كانت مفاجأة سارة لي، مثل اقتحام الشاعر الرقيق محمد علي المرزوقي مجال كتابه الأوبريت، وأنا على ثقة من عمله في هذا المجال إضافة لفن الغناء، خاصة أنني اعرفه شاعراً عبر ديوانه الأول “نوارس” يصيغ إبداعاته عبر الفصحى، ولكن أن يقتحم هذا المجال فلا شك أن الفضل لصاحب الفضل سعادة الوزير.
كما أن الصديق الجميل فهد المرسل يدلي بدلوه عبر الصوت الغنائي الجديد “عائشة الزياني” ومفرداته وألحانه، وستكون “عائشة” إضافة لأصوات ساهمت ذات يوما وغابت سريعاً مثل “أماني العبدالله” لها الرحمة والمغفرة.

الأجمل حقاً دعوة العديد من رموز الغناء من أبناء الخليج كضيوف يحلون في وطنهم الثاني قطر، وآمل أن يكون الاهتمام بتواجدهم عبر كافة الأطر، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية، وهم بحق يمثلون الركن الأميز والأبرز في مجال الغناء من الكويت وسلطنة عمان مثل الملحن الكبير يوسف المهنا ومسلم الكثيري وأنور عبدالله، والصوت الجريح عبدالكريم عبدالقادر والشاعر بدر بورسلي، كل هؤلاء أصحاب منجز غنائي وأصحاب إسهامات إبداعية في مسار الأغنية الخليجية والعربية، سواء كملحنين أو مؤدين أو أصحاب المفردة الخاصة.
ولي كلمة أخيرة، وهذه الكلمة سوف احتفظ بها في ذاكرتي وقد أهمس بها لذاتي في لحظة صفاء مع الذات، وأكرر القول الآن وأقول شكراً لكل من أعاد إلى أسماعنا تلك الأنغام التي عشنا معها وعاشت معنا.