دعا المشاركون في ملتقى الدراما العربية بالدوحة، الذي نظمته وزارة الثقافة والرياضة في الفترة من 11-12 نوفمبر الجاري، إلى تبني سياسة دعم المشاريع الدرامية العربية التي تحافظ على مكونات الهوية العربية، وذلك على مستوى مسابقات الكتابة الدرامية وجوائز المهرجانات وغيرها.

وأكد المشاركون في ختام أعمال الملتقى أمس والذي شارك فيه نخبة من النقاد والفنانين العرب على ضرورة توفير سياسات داعمة لاستثمار الأعمال الجيدة التي لم تتح لها فرصة الإنتاج، والعمل على تبني سياسات دعم القطاع الخاص للاستثمار في المشاريع الجديدة ودعم الإبداع في مجال الدراما من خلال توفير الفرص للكتّاب والمخرجين الشباب يواكبون في أعمالهم حركة تطور المجتمع العربي.

وأوصى المشاركون بأهمية تواجد القطاع الخاص في الإنتاج، مع التأكيد على إثراء الدراما بالقيم الإنسانية والتعامل مع التصورات الكبرى للإنسانية، التي ترتقي بالمتلقي عن وضعه الراهن لتعيش مستقبلا أفضل، وتقربه الدراما من الواقع وليس من جانب نظري، مع أهمية مواكبة التطور التكنولوجي، من خلال تطوير المنصات العربية بإنتاج أعمال مخصصة لها وليس لعرض الأعمال القديمة فقط، وتعزيز تواجد منصات عربية تلتزم بالقيم وتقاوم الغزو الفكري الذي يوجه للمجتمعات وخاصة الأبناء والشباب. وأكد الملتقى على أهمية التعامل مع الإشكاليات الناتجة عن الانفتاح وتضارب المصالح بين الكاتب والرقابة والإنتاج، لأن جميع الأدوار أصبحت بذات الأهمية، فلا يمكن أن تترك الأمور دون أطر تحمي المجتمع، فبالرغم من اختلاف وجهات النظر تبقى الفطرة السليمة ذاتها، وتشجيع الحوار مع القائمين على إدارة المنصات الدولية والعمل معهم بتعاون لتناول مواضيعنا من خلال الكوادر الوطنية.

وفي مجال التدريب أوصى الملتقى بتنظيم لقاءات وندوات تجمع بين كتاب الدراما ونقادها ومسيري الجهات الحكومية المعنية بصناعة الدراما وبثها، وإقامة دورات تدريبية مكثفة لتأهيل كوادر الأعمال بإشراف أساتذة وخبراء لتلافي النقص في تدني مستوى الإنتاج العربي، فضلا عن إقامة الندوات والملتقيات الدورية على نمط (ملتقى الدوحة) لكتّاب وصنّاع الدراما وللمستثمرين في هذا المجال لتبادل الخبرات وتسليط الأضواء على آخر تطورات هذا المجال، إلى جانب تبني مواهب جديدة، والعمل بمرونة مع محطات التلفزة والمنصات الرقمية مع مواكبة ما يريده المشاهد.


خصوصية مجتمعنا العربي

وشملت توصيات خبراء الدراما العرب مجال الإنتاج، حيث طالبوا بضرورة التركيز على خصوصية مجتمعنا العربي في صناعة الدراما، وأهمية تناول المواضيع الراهنة للجمهور في الدول العربية، مؤكدين أن ذلك لا يتنافى مع طموح الوصول والتواصل مع العالمية، والعمل على تشكيل منصات إقليمية والتعاون العربي لتشجيع الإنتاج المشترك مع تسهيل حركة التنقل للطواقم الإنتاجية والفنية.

وشدد المشاركون على ضرورة تشجيع الإنتاج المشترك أيضاً ما بين القطاعين العام والخاص، واعتبار هذا التعاون مسؤولية وطنية، والعمل على تحسين منشآتنا الإنتاجية والفنية وتخصيص مدن إعلامية بتقنيات حديثة منافسة للسوق العالمي، وتعزيز التعاون بين الجهات المنتجة والمؤلفين بشكل أكبر لتقديم نص ذي جودة عالية في إطار زمني معقول بعيد عن ضغوطات المعلنين والجهات الممولة والتعامل مع النص كعمل إبداعي ناضج وليس مجرد عمل يتم بيعه ليكون قيَما أكثر وذلك للخروج من القالب الاعتيادي للصورة النمطية للدراما.

ودعا الملتقى إلى أن تعالج النصوص الدرامية الواقع ولكن ليست بواقعية مطلقة مباشرة، بل دافعا ليكون الواقع مصدرا للإلهام، وألا يتم التعامل مع الوضع بمنطق السوق، والاستسهال في تقديم منتج درامي بل يكون متوافقا مع يدور في الحياة.


أوراق عمل

وكان الملتقى في نسخته الثالثة التي تحمل شعار: «الدراما العربية بين التنظير والتطبيق.. أزمة التطلعات وواقع التحديات» قد واصل أعماله لليوم الثاني أمس، وعقدت جلسة أدارها المخرج القطري خليفة المري بعنوان: «ما بعد الأزمات والأوبئة في الدراما» وتضمنت ثلاث ورقات بحثية، قدمت الأولى الناقدة السينمائية الأردنية إسراء الردايدة بعنوان: «الأزمات وأثرها على الكتابة الدرامية»، استعرضت خلالها أزمات التأليف والإنتاج التي تلقى الدراما العربية، حيث ناقشت العلاقة التبادلية بين المنتج والكاتب ومدى تأثير الضغوطات التي يمكن أن تمارس من قبل المنتجين ما يساهم في توجيه الدراما في خطوط غير التي يريدها الكاتب ما يتولد عنه أعمال غير ناضجة، فضلاً عن لجوء بعض المنتجين لإجبار الكتاب على الإتيان بمعالجات يتم خلالها تعريب بعض الأعمال الأجنبية، كما عددت الكثير من الأزمات التي تواجه الكتاب وتتمثل في إرضاء أبطال الصف الأول من الممثلين على حساب الدراما، وحذرت من عدم موافقة تلك النوعية من الأعمال ذوق الجمهور ما يجعلهم يعرضون عنها والاكتفاء بمشاهدة الأعمال الأجنبية.

وفي ورقته المعنونة بـ «تمظهرات الأوبئة في الفنون السردية والبصرية: كورونا نموذجاً»، قدم الناقد الأدبي والفني العراقي عدنان حسين رؤيته حول احتلال الأمراض والأوبئة مساحة مهمة في الفنون عموماً، وركز على ثلاثة محاور رئيسية، وهي الأوبئة في الفنون السردية كالقصة والرواية، وفي الفنون البصرية في السينما والتلفاز، وفي المحور الثالث ناقش طرق معالجة الدراما المسرحية لتلك الإشكالية. وأوضح خلال تعرضه لتلك المحاور أنه لا يمكن حصر الأعمال الفنية التي تناولت الأمراض والأوبئة لكثرتها وتنوعها، إلا أنه توقف خلال مناقشته لمحور الفنون السردية عند بعض القصص والروايات التي رأى أنها استوفت شروط الإحاطة بهذه الأوبئة، كما تعرض إلى العديد من الأفلام التي ناقشت أيضاً تلك القضية معدداً طرق معالجتها المختلفة ورسم خطوطها الدرامية لتصبح أكثر إقناعاً، وفي المحور الثالث انتقل للحديث عن الأوبئة في النصوص المسرحية واختار نموذج أوديب ملكاً باعتباره من أهم الأعمال الكلاسيكية وهو العمل الذي ناقش موضوع انتشار الوباء كنقطة انطلاق للحدث الدرامي.
من جانبه، ناقش الكاتب والناقد الجزائري نبيل حاجي ورقته المعنونة بـ «الخيال والواقع في معالجة الدراما للكوارث»، وأكد في بحثه أن درامية الأحداث التي شهدتها البشرية فرضت جانباً كبيراً لموضوع الكوارث في صناعة الدراما، متطرقاً للأساطير التي تعرضت للكوارث وهي الميثولوجيا التي اشتقت منها الدراما العديد من الموضوعات، وقال إن الرومانسية والكلاسيكية أولتا اهتماما كبيراً للكوارث الإنسانية من خلال العديد من الروايات والمسرحيات، فضلاً عن مناقشة الأفلام السينمائية لموضوعات الكوارث الإنسانية والحروب التي لم يسبق لها مثيل بصفتها قادرة على تقديم طرح يمتلك صورة أكثر واقعية استفادت من البناء بشكل بصري معتمداً على التطور التكنولوجي والرقمي، ومحاولة تقديم قراءات استشرافية لما ستؤول عليه الإنسانية في المستقبل.


ما بعد الجائحة

وفي ثاني جلسات الملتقى التي أدارها الكاتب والإعلامي محمد الحمادي، تمت مناقشة «ماذا بعد كورونا واقتحام عالم التكنولوجيا للإنتاج والبحث»، وتناولت الورقة الأولى التي قدمها الدكتور محمد خير يوسف الرفاعي نائب نقيب الفنانين الأردنيين أستاذ الفنون الدرامية جامعة اليرموك الأردن موضوع مستقبل النص الدرامي بعد كورونا ومدى مساهمته في تطوير الفعل الدرامي لمواكبة المستجدات.


واستهل الدكتور حديثه بالإشارة إلى قضية مستقبل النص التي اعتبر أن الحديث عنها يبدأ انطلاقا من الواقع الذي سيصل بنا من خلال المعطيات إلى استشراف للمستقبل.

وطرح الرفاعي عدة تساؤلات وقدم لها أجوبة من خلال بحثه، وكان أهمها: ماذا نريد أن نعبر من خلال نصوصنا الدرامية؟ ما الذي نريد تقديمه؟ وماذا نحتاج؟ وما الأساليب التي سنقدم بها؟. وقبل الرد عن التساؤلات، أشار الدكتور إلى قضية التغير الاجتماعي التي اعتبرها مرادفا للتحول أسس عليه أربع نقاط رئيسة أولها أشكال التنظيم الجديدة أي ما نحن مقبلين عليه، النقطة الثانية هي الزمن، وقصد به أشكال التحول في المدى القصير والبعدي، أما النقطة الثالثة فكانت الفعل المستمر الدائم الذي لا ينتهي بانتهاء الأزمة، دون التأسيس لفكر جديد ولما هو قادم، وآخر نقطة كانت عن تحقيق الظاهرة الاجتماعية التي توصل إلى التحول المرغوب فيه.

واعتبر الدكتور الرفاعي أن الدراما بعد الكورونا لن تكون كما قبلها وأن زمن الكورونا هو نقطة تحول واضحة في عالم الكتابة الدرامية، باعتبار الكاتب المبدع المؤلف هو نبض لما هو قائم وقادم، مستشرفا للمستقبل، مشيرا إلى صراع أكون أو لا أكون في زمن الكورونا، وكيف يمكن للكاتب والمؤلف أن يكون حاضرا ويتشكل هذا الحضور ضمن الإيقاع القادم، وكيف يمكن أن يكون مؤثرا، واستشهد الدكتور الرفاعي ببعض الأعمال الدرامية التي تناولت الظواهر التي عاشتها البشرية في أزمنة مختلفة، حول الرعب أو جرائم القتل، أو حتى الكوارث.

وأضاف صاحب الورقة البحثية أن المادة الموجودة في زمن الكورونا ستشكل ملهما للكتاب والروائيين والأدباء للإبداع وطرح أعمال جديدة تؤرخ هذا الزمن، وتعكسه في أعمال درامية، معتبرا أن التقارب الاجتماعي الذي فرضته ظروف المرحلة من حضر وحجر، يفرض على المؤلف التقاط هذه اللحظات التي كان فيها التقارب بكونها فعل اجتماعي ناضج جديد. وختم الدكتور الرفاعي ورقته باعتبار أن الأعمال الدرامية التي ستتناول الكورونا ستكون عابرة للزمان والمكان.

وقدم المخرج الأردني سامر جبر ورقة بعنوان: «زراعة الأفكار.. الاستخدامات الظاهرة والمبطنة لإيصال الرسائل في الأعمال الدرامية»، أكد خلالها على ضرورة زراعة الوعي والفكر لدى المجتمع وتوظيفه للنهوض بالحضارات، من خلال الدراما والعمل على دعم الثقافة والفنون في الرأي العام العربي.

واستعرض المحاضر اهتمام الغرب بفكرة زراعة الأفكار سواء كانت طويلة المدى أو قصيرة المدى لأغراض تسويقية أحيانا أو زرع أفكار وبث رسائل سلبية لا تتفق مع قيم مجتمعنا العربي لدرجة انها تمر من تمويلنا أحيانا.

واستنكر جبر الصور النمطية للبطل في الدراما العربية البعيدة عن الشخصيات السوية، مطالبا بضرورة أهمية تدخل الأسرة في المحتوى الذي يتعرض له أطفالنا، داعيا إلى تقديم محتوى درامي جيد لا يعتمد على عملية إنتاجية بحتة مع وضوح الهدف للعمل، مشيدا في هذا الشأن بما قدمته دولة قطر من إنتاج درامي تاريخي، حيث قدمت أعمالا رائعة تعد نماذج للدراما العربية، مؤكدا في النهاية أننا قادرون على صنع التغيير، مثمنا دور وزارة الثقافة والرياضة ومبادرتها لدعم الدراما العربية.


ورش عمل

وعلى هامش الملتقى، أقيمت ورشتان الأولى بعنوان «الحبكة في العمل الدرامي» وقدمها الدكتور عز العرب العلوي لمحارزي السيناريست والمخرج السينمائي المغربي، موضحا أن الحبكة ليست مجرد تتابع أحداث، بل هي تخطيط هيكلي متين يكون فيه الحدث مسببا لنتيجة تولد لنا صراعا بين مصالح متقابلة ومتضادة لتصل بالبناء الدرامي لتوتر عالٍ يخف شيئا فشيئا تمهيدا للوصول نحو حل للعقدة، مما يعطي للحكاية معنى وتشويقا وقوة يلمسه المشاهد ويخلق له رغبة في تتبع ومراقبة ردود فعل شخصيات العمل الدرامي من بداية العقدة للنهاية.

واستعرض أهم الأدوات الإبداعية التي تصنع قوة الحبكة، وكذا الخلل الذي قد يعتريها فيضعف لنا العمل الدرامي ككل، خاصة أن الحبكة هي روح وجوهر العملية الدرامية.

الورشة الثانية بعنوان: «مدخل إلى آلية السرد في ثلاثية إيليا سليمان»، قدم فيها الناقد والمخرج الفلسطيني المقيم بالسويد فجر يعقوب سردية الزمن في ثلاثية إيليا سليمان، موضحا أنها هي سردية الزمن الفلسطيني بامتياز، وأهم ما يمكن ملاحظته في هذه الآلية التي يمتاز بها عن سواه من المخرجين الفلسطينيين أن الزمن الذي يحضر في أفلامه هو الزمن (الغائب) المخصص للسخرية من الذات، والذي استخدمه ايليا بتفوق.

وقال: لم يسبق لمخرج فلسطيني بحدود علمنا أن استعار سلاح السخرية من الذات كما فعل إيليا سليمان. وعلامات ترقيم هذا الزمن هي السلاح السري الجديد الذي يلجأ إليه مخرج (سجل اختفاء) من زوايا مغرقة في شعريتها، أي أنه يعيد شعرنة الواقع برغم قسوته وتعقيداته واستغراقه في جدل اللحظة المغيبة التي يفرضها وجود طرف متسلط وقوي ومهيمن هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يكاد يخسر في مواجهة غير متكافئة أمام السلاح الفلسطيني الجديد المتمثل في السخرية، والذي أعلى إيليا سليمان من شأنه في أفلامه كلها، وليس فقط ثلاثيته، مقصدنا في هذه الورشة، وهي ما يمكن أن نطلق عليه هنا فرص «المواربة الشعرية المهملة».