ضمن جلسة “تأملات” التي ينظمها ملتقى القطري للمؤلفين في إطار برنامجه في شهر رمضان المبارك، قدم الشيخ الدكتور عبد السلام المجيدي محاضرة بعنوان “بصائر المعرفة القرآنية في سورة “النساء” موضحا أن هذا المشروع بدأه منذ منتصف التسعينيات، موجها بذلك بالآية الكريمة “قد جاءكم بصائر من ربكم، فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ”
وقال الشيخ عبد السلام المجيدي خلال عرضه للخريطة البيانية لبصائر سورة النساء إن موضوع هذه السورة هو بث الحياة الإنسانية والتنظيم الإلهي الحقوقي لها وحماية المستضعفين وخاصة النساء والأطفال من الاضطهاد، مقسما موضوع السورة الرئيسي إلى سبعة محاور.
ويتضمن المحور الأول بداية بث الحياة الإنسانية للطفل والمرأة والحديث عن الحقوق المالية للفئات المستضعفة في المجتمعات، فيما يتحدث المحور الثاني عن أهم قوانين الزواج التي تقيم البناء الأسري وتحافظ على حق الإنسانية في الاستقرار والانتشار، أما المحور الثالث فيتطرق إلى حصون استقرار الأسرة المركزية ليتحقق بث الحياة الإنسانية أي التنظيم الإلهي للأسر الانسانية .
وفي المحور الرابع يتحدث عن الإدارة الراشدة وتنظيم حقوق الإنسان وحماية الإنسانية، التي تؤدي الحقوق، وفي المحور الخامس نجد الحديث مرة أخرى عن بث الحياة الإنسانية الذي يقتضي الاستقرار فيه حفظ الأمن الداخلي والسلام الخارجي، ثم ينتقل إلى المحور السادس وهو محور حقوقي قضائي يعني السلطة الأرضية الأخيرة التي تحمي القسط في حياة البشرية. وأما المحور الأخير فيتعلق بأصناف الذين يتلاعبون ببث الحياة الإنسانية ويمنعون القسط فيها ويشيعون الظلم والغلو في المجتمع.
وأبرز الشيخ عبد السلام المجيدي أن ” البث ” في سورة النساء يعني أربعة معان متلازمة، أولها الإظهار أي أن يوجد المخلوق من عدم، فالله أظهر البشرية بأن خلقها من عدم، “الذي خلقكم من نفس واحدة” وثانيها الاستقرار من خلال الزوجية ” وخلق منها زوجها” أما المعنى الثالث فهو الإعمار بأن يوجد تنظيم حقوقي بين الرجال والنساء جميعا لإمكان الإعمار الذي يبقى انتشار الحياة الإنسانية على أساس القسط، فيما يتعلق المعنى الرابع بالتكاثر والانتشار زمانا ومكانا “وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ”
وتحدث الدكتور عبد السلام المجيدي عن أهم الأسس الحقوقية التي تضمن “بث الحياة الإنسانية ” ومنها عالمية الخطاب القرآني، فهو الأكثر أهلية ليحافظ على بث الحياة الإنسانة ويقيم التفاعل الإيجابي الصالح بين أبنائها، ويبصرنا بذلك قوله تعالى ” أيها الناس”، وهذه المخاطبة العالمية تعني أن تخاطب الإنسانية مهما كانت العقائد، فلم يقل الله: يا أيها المؤمنون والكفار. كما أن الرؤية القرآنية للحقوق قائمة على أساس النظر إلى المصلحة الإنسانية في الحياتين الفانية والباقية، ويبصرنا بذلك أن الخطاب القرآني العام ” يا أيها الناس”، ولم يكن إلا في بداية سورتين: النساء التي أعلنت للعالم بداية الحياة البشرية الدنيوية وسورة الحج التي أعنت للعالم بداية الحياة البشرية الأخروية. ثم أساس صلة الأرحام القريبة والبعيدة، وهو أساس يدل على صدق تدين الإنسان وبناء النظام البشري السوي ويبصرنا بذلك قوله تعالى “واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام”
وختم الشيح المجيدي محاضرته بالحديث عن البث باعتباره يعني الكليات الحافظة للحياة الإنسانية؛ وأولها المحافظة على الدين يعني حق الإنسان في ممارسة الشعائر التعبدية دون أن يعتدي أو يعتدى عليه ولا يكون منتميا لعقيدة تقر الاعتداء ثم المحافظة على النفس من خلال حق الإنسانية في الحياة الكريمة والمحافظة على النسل والتكاثر والاستمرار والمحافظة على العقل بحيث يكون من حق الإنسان الوعي والقدرة على الإعمار والمحافظة على المال باعتباره حقا من حقوق الإنسان في تكوين الثروة التي تجعله يستمتع بمنافع الحياة.