دعا محاضران خلال ندوة «الإسلام والحداثة» التي عقدت في قاعة ابن خلدون بجامعة قطر، إلى استثمار دول العالم الإسلامي لمواردها لصالح النهوض ببلدانها مع ضرورة تطبيق تعاليم الإسلام من أجل لعب دور لصالح البشرية، مطالبين بضرورة تجاوز الجدل العربي بين الحداثيين والإسلاميين باعتباره جدلًا عقيمًا.
جاءت الندوة ضمن فعاليات «موسم الندوات» الذي تنظمُه وزارة الثقافة من 4 حتى 19 مارس الجاري، وقد حضرَ الندوةَ جمعٌ من المثقفين والباحثين، وتحدثَ خلالها الدكتور جوزيف لومبارد أستاذ مشارك للدراسات القرآنية بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة والدكتور عبد الرحمن حِللِّي كاتب وأستاذ جامعي سوري ويعمل أستاذًا مشاركًا للدراسات القرآنية بجامعة قطر.
وقدمت الندوة الأستاذة إيمان الكعبي مدير المركز الإعلامي القطري والتي قالت إن هذه الندوة تأتي لتعيد طرح الأسئلة الكبرى التي شغلت عقول المثقفين والمفكرين على مدى عقود طويلة من الاجتهاد والتفكير، وللوقوف على أهمية الإشكاليات الأساسية التي ما زالت تحرك الثقافة العربية الإسلامية من الداخل، ولتجديد التفكير في طبيعة العلاقة الممكنة بين حداثات متعددة، أي بين حداثة إسلامية تعيد إنتاج شروط تحققها وتَمَوْقُعِهَا في هذا العالم، وبين حداثات مختلفة، أساسا غربية، تطرح علينا أسئلة جديدة في كل مرة، وتتشارك معنا في آفاق مفتوحة على رهانات فكرية وحضارية وثقافية لم نفكر فيها في كثير من الأحيان، وربما لم يكن ممكنا التفكير فيها في فترات حضارية سابقة.
وأضافت أن ندوة «الإسلام والحداثة» محاولة لتعميق معرفتنا بشروط تحقق حداثة إسلامية معاصرة، وفية لشروط زمنها الراهن، ومتواصلة مع التراكم المعرفي والحضاري والفكري والثقافي الذي أنجزه المجددون لخطاب الحداثة ضمن الأفق الإسلامي المفتوح على المثاقفة، والتواصل، والاجتهاد، ولهذا فإننا نرى أن ضيفي هذه الندوة يرتقيان إلى مستوى الأسئلة الجدية التي تطرحها علينا، والإشكاليات العويصة التي تثيرها في الأذهان والعقول والضمائر.
وتضمنت الندوة مجموعة من الأسئلة التي حاول المحاضران الإجابة عنها، وكان من أهمها ماهية الحداثة وما إذا كانت هناك «حداثة إسلامية» متحققة؟ وما هي الخصوصية الثقافية والحضارية لـ»حداثة إسلامية» التي تميزها عن «حداثة غربية» أنتجها مفكرو الغرب وفق شروطهم الفكرية والثقافية؟ وما إذا كان الفكر الإسلامي قد أنجز مهامه النقدية عبر الحفر المعرفي الدقيق في «الحداثة الإسلامية» ونقد أسباب تعطلها وإعادة بناء أسسها الفكرية؟ وأسئلة أخرى كثيرة شكلت محاور نقاش الندوة.
وقال الدكتور عبدالرحمن حللي خلال كلمته في الندوة إنه هناك معوقات فكرية ومعرفية يجب تجاوزها لتحقيق الحداثة الإسلامية وهي معوقات متنوعة أهمها أنه ليس لدينا اهتمام على مستوى التعليم الأكاديمي بامتلاك المعرفة اللازمة لمناقشة ونقد الحداثة، لأن ما يناقش في العالم العربي قد يكون مستوردًا، في حين أن الحداثة في سياقها الغربي ليست موجودة لدى الكتاب العرب.
وأكد الدكتور حللي على ضرورة أن تنهض وتستحدث مؤسسات لدراسة الحداثة، وكلما كان الإنسان ناقدا للحداثة عن معرفة وعمق كلما كان حداثيا أكثر وأقرب للمنظرين للحداثة، وبالتالي ينبغي أن نتجاوز الجدل العربي بين الحداثيين والإسلاميين لأنه جدل عقيم.
وضرب الدكتور حللي مثالا بالإمام الغزالي عندما نقد الفلسفة هو بالأساس فيلسوف درسها وتمكن منها واستطاع أن ينقدها عن علم ومعرفة، وبالتالي من يتصدى للحداثة لابد وأن يكون قد درس ما ينقده، قائلا «ينبغي أن يفك الارتباط المدعى أن هناك مشكلة بين الدين والحداثة، فلا يوجد حداثي في الغرب هو ضد الدين وهناك فصل منهجي بينهما في الغرب، وكثير من منظري الحداثة كانوا يؤمنون بالدين والعقل معًا وينظرون لهما معًا».
وأكد الدكتور حللي أن مشكلة العرب أن هناك مساحات كثيرة خارج الدين يمكن أن تتطور بها المجتمعات وتصبح حداثية.
والحداثيون الغربيون من لهم رؤية عنصرية تجاه العالم العربي يقولون إن هناك مشكلة بين الدين والحداثة ويستثنون تركيا وماليزيا فقط، نظراً لاعتبارات كثيرة مرتبطة بالتطور وغيره.
بدوره أكد الدكتور جوزيف لومبارد على ضرورة الالتزام بالطريقة التي يمكن أن نعبر بها عن أنفسنا دون الانسياق في المهاترات مع الثقافات المختلفة، وأشار إلى أنه علينا التركيز في صنع واقعنا المتناغم مع ثقافتنا وديننا الإسلامي، الذي يأمرنا بأن نسلم أمرنا لله مع الأخذ في الاعتبار أن الحداثة مختلفة في الواقع عند الغرب عن الإسلام حيث أصبحت متعلقة بالعلم.
وقال لومبارد إن الرسول عليه الصلاة والسلام تم إرساله رحمة للعالمين وبالتالي فإن مسؤوليتنا كمسلمين إيصال الرحمة، وجعلها ذات صلة وثيقة بالمعاصرة، مؤكداً على مدى الحاجة إلى نموذج إسلامي يقدم للعالم.
ودعا إلى استثمار الموارد في عالمنا الإسلامي لصالح النهوض مع ضرورة تطبيق تعاليم الإسلام من أجل لعب دور لصالح البشرية، وقال إن ما أنجزه الفكر الإسلامي هو كثير لصالح العالم لكن نحتاج للوصول به بطريقة سليمة.
ولفت إلى أن أبو حامد الغزالي أدرك تهافت الفلاسفة بحيث يكونون محكومين بنموذج إنساني متحرر، إلا أن روح الدين تعني النظر إلى مسؤوليتنا في الوقت ذاته لبناء المستقبل أما روح الحداثة تجعلنا ننظر فقط للمستقبل في وقت نضع فيه الأعذار على الفشل.
وأكد أن ما بعد الحداثة هو مفهوم له أكثر من تعريف إلا أن تطورات الحداثة في أوروبا قد أخذت أشكالًا مختلفة تبعا لظروفها المختلف اجتماعيًا وسياسيًا ودينيًا، فقد ظهرت الحداثة وتطوراتها بدءًا من عصر التنوير كردة فعل ضد الكنيسة، إلا أن تاريخ الناس في العالم العربي يختلف كليًا مع التاريخ الأوروبي ما يستتبع معه اختلاف تلك الحداثة، وفي هذا السياق شدد على ضرورة أن تنبع حداثتنا، من ديننا ومن خلال مفكرينا، مع أهمية تطبيق الدين طبقًا للقضايا المعاصرة والإتيان بتعاريف إسلامية لا تتعلق بالماضي فحسب ولكن تتوافق مع المعاصرين.
وشدد لومبارد على أن الإسلام دعوة وتعارف، وعلينا عدم الانطلاق من منطلق مأساوي لنعيش صراعًا لا نهاية له. مشدداً على أهمية الالتقاء على قيم مشتركة، وهي قيم إنسانية، مثل الفطرة وغيرها.
وقال: إن القيم محورية ورئيسية، وعندما ننظر إليها في الغرب، نراه يجعلها كومة من الرماد. مشدداً على أهمية تحقيق المعرفة، وربطها مع الأخلاق بالحضارة الإسلامية. ولفت إلى أن الناس عليهم العودة إلى الماضي، والتعامل مع الله وتقديم صورة مثلى للناس.
وحول العلاقة بين الحضارتين الإسلامية، والأخرى الغربية، أضاف د. جوزيف لومبارد إن الحضارة الغربية قامت عندما انفصلت عن الكنيسة، بينما انهارت الحضارة الإسلامية عندما انفصلت عن الإسلام.