الإبداع هو ذلك الشيء الذي يحل محل الضوء المفقود كلَّما بدأ بالتلاشي. القوة الاستثنائية التي تتحرك دائما نحو الفراغ لتملأه بالفكرة المبتكرة. الأنشودة التي تقول لنا إنها سترحل عنا إن فقدنا التفاعل معها بالإحساس الذي تستحق.

فكرة مبتكرة سنتها وزارة الثقافة في قطر في رمضان العام الماضي، وعززتها هذا العام تأكيدًا لدورها الثقافي في صرف اهتمام الناس إلى متعة مفيدة.. حين انتهجت مشروع (معرض رمضاني للكتاب)، أقيم العام الماضي في سوق واقف، رافقته نشاطات ثقافية بحضور أسماء أدبية مهمة.

لكن معرض هذا العام كان مختلفًا في كل شيء، مبهجًا في كل لحظة. بدأ في الأسبوع الثاني من رمضان على مدى أسبوع، وبسبب الإقبال الكثيف من المهتمين والأسر والعوائل والأطفال تقرر تمديده عدة أيام أخرى، المكان الذي أقيم فيه المعرض هو مقر درب الساعي في منطقة أم صلال.

كيف أحدثك عن جمال المكان ومتعة النظر فيه، توزيع أجنحة المكتبات المشاركة، في دور من الطراز القديم الذي ينطق بالتاريخ القطري، البحيرة الكبيرة التي تزيّن المكان، العلم المرفرف فوق سارية شاهقة يعطي المكان مهابة، أكشاك القهوة والمأكولات والعصائر والشاي، المسارح المصغرة التي تقام فيها الندوات.. وقصص وحزاوي «هدية سعيد» للأطفال وهم يتكدسون حولها وصوتها المعبّر ينتشر في المكان.

الخيمة الرمضانية الأنيقة وهي تستضيف كل ليلة نجمًا من نجوم الشخصيات القطرية المؤثرة في العمل التربوي والثقافي والاجتماعي والتاريخي والاقتصادي.

حضور وزير الثقافة سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني يوميًا إلى المعرض وجولاته مع شخصيات الدولة الزائرين.

الحوار مع سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الطاقة الأسبق، عن بدايات صناعات الغاز الطبيعي وتطويرها وتحديات الانطلاقات الأولى.

الجلسة الثقافية التربوية المثرية مع سعادة الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله السبيعي وزير التربية والتعليم الأسبق حين يستذكر بدايات التعليم في قطر بحضور عدد من النخب الثقافية.

حديث د. يوسف عبيدان الممتع وهو الرجل الذي خاض في الحياة بقوة في مجالات الدبلوماسية والتعليم والثقافة والقانون وحقوق الإنسان، وأثبت حضوره محليًا وخليجيًا، وأحد أبرز المشاركين في تطور المؤسسات في الدولة.

سعادة السيد يوسف حسين كمال العمادي وزير المالية ووزير الاقتصاد والتجارة الأسبق وهو يشرح للحضور خطط الدولة في تجاوز أكبر الأزمات الاقتصادية العالمية، وطريقة البنوك في التعامل المالي، ومحاولة الشاعر محمد ياسين الصالح الاستيلاء على 200 ريال قطري أثناء عملية الشرح!!

حضور سعادة الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الديوان الأميري وجولته في أنحاء المعرض، وجولة سعادة السيدة مريم بنت علي المسند وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة، ثم ندوة سعادة الشيخة حصة بنت خليفة آل ثاني المبعوث الخاص للأمين العام للجامعة العربية لشؤون الإغاثة الإنسانية، وتجربة فريدة في تتبّع مخيمات النزوح واللجوء التي امتلأت بها الأرض العربية، ثم أمسية أدبية مع الشاعرين شبيب بن عرار النعيمي ومبارك آل خليفة، وهما يوضحان الخطة الأدبية التي يحضران لها في الفترة المقبلة فيما يخص الشعر تحديدا.. مع مداخلات الحضور وتعليقاتهم.

ثم ضيف الليلة الختامية سعادة ناصر بن عبدالعزيز النصر، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة للدورة 66 والممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات السابق، وما أدلى به من معلومات جديدة من كواليس التعامل الدبلوماسي في المحافل الدولية ونظرة بعض قيادات دول القرار للدول العربية. سعادة أصحاب دور النشر العربية والمحلية المشاركون في المعرض وهم يلمسون الإقبال الكثيف والنجاح المميز للمعرض. الطقس الربيعي الرائع والبرد اللذيذ الذي جعل الليالي أحلى وأبهى، ثم إصدارات بعض الأصدقاء الذين حرصوا على الإعلان عن نتاجاتهم الأدبية في هذا المعرض.

في ردهات المعرض قرأنا البهجات المتوالية لدى الناس، ولدى المثقفين، رأيناها في احتفال مريم السليطي بإصدارات دار يلدز ومنها كتاب الكاتبة الناشئة فاطمه بنت علي الهاجري، ولمسناها بالتزام محمد خلف الثنيان اليومي في مكتبة طروس، وحضور د. عائشة الكواري في دار روزا وهي تستقبل ضيوف الدار، وحرص سعادة د. حمد بن عبدالعزيز الكواري, وسعادة سعد الرميحي، ود. أحمد عبدالملك، وصالح غريب، وعدد من المثقفين على الحضور والتفاعل، توقيع جاسم سلمان لروايته رحلة ابن بطوطة، وتوقيع محمد ياسين الصالح لديوان (القرية التي كنا فيها). كل ذلك بمتابعة وحضور أركان الوزارة مثل: د. غانم بن مبارك العلي، مريم الحمادي، مبارك آل خليفة، محمد حسن الكواري.

هكذا هو الإبداع، ذلك المحيط الذي نمشي على شاطئه فيمسح آثار أقدامنا؛ لكنه يترك لنا بدلًا منها أصدافًا جديدة وداخل كل صدفة موجتها وقصتها الخاصة. ‏ذلك الكائن الغريب الذي يتحدث مع كل منا بلغته وإحساسه الذي يحب الآتي من مكانٍ ما لا نعرفه، ولكننا نجد أنفسنا فيه بطريقةٍ أو بأخرى.

شكرًا وزارة الثقافة، شكرًا سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني، وزير الثقافة.