يرتقب صدور كتاب بعنوان «الأغنية القطرية.. اتجاهات مختارة» عن وزارة الثقافة والرياضة، للكاتب والروائي الأكاديمي الدكتور أحمد عبد الملك أستاذ الإعلام بكلية المجتمع.
والكتاب المرتقب يشمل وصفًا لاتجاهات الأغنية القطرية منذ بداياتها في الأربعينيات من القرن الماضي وحتى عام 2020 ويقع في أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير يتناول فيه عبر خمسة أبواب بعد المقدمة اتجاهات الأغنية القطرية وجدليات وآراء في الأغنية الخليجية والقطرية ودور المؤسسات التي ساهمت في دعم الأغنية القطرية إلى جانب باب سجل فيه الكاتب شهادات لرواد وفنانين في الأغنية القطرية ليختتم بالباب الخامس وصور مختارة عن فناني قطر..
«العرب» حاورت الدكتور أحمد عبد الملك للتعرف على تفاصيل هذا الكتاب بمناسبة مهرجان الأغنية القطرية الذي ينطلق مساء اليوم الخميس..

بداية نود التعرف على فكرة الكتاب كيف جاءت وأهم أهدافه؟
جاءت فكرة الكتاب منذ 3 سنوات في معرض الدوحة الدولي للكتاب عندما تم تدشين كتابي «عبدالعزيز ناصر – رحلة الحب والوفاء» وحينها سأل أحد ضيوف المعرض من السادة الوزراء لماذا لا تقدمون كتبا عن الأغنية القطرية؟ فظلت الفكرة عندي وبدأت أشتغل عليها وأجمع مادة حولها وبدأت وضع الخطة للفصول وكيفية الحصول على المعلومات، لأن الأغنية القطرية لم توثق منذ نشأتها وقد أرجعت نشأتها إلى عام 1940، وقد صدر كتاب في عام 1975م للدكتور محمد الدويك حول الأغنية الشعبية في قطر، وهي متخصصة، ولكن أردت أن يكون الكتاب أشمل حول الأغنية ككل من حيث رموزها واتجاهاتها وإيقاعاتها ومن هنا جمعت أمري لتنفيذ الفكرة، وقابلت حوالي 70 % من الفنانين القطريين ووجهت لهم أسئلة حسب تبويب الكتاب، واستعنت عن القدامى بأرشيف إذاعة قطر وكتاب عبدالعزيز ناصر عن حياته وذكر فيه الرواد. إلى جانب المطربين الموجودين وربما أكبرهم سنًا الفنان إبراهيم علي الذي أفاد الأغنية القطرية وهو عضو مؤسس لفرقة الأضواء.

وما المدى الزمني الذي عالجه الكتاب؟
الكتاب شمل أربعة أجيال ذكر المطربين وكتاب الكلمات والملحنين الجيل الأول مثل سالم فرج وإدريس خيري ومرزوق سعد، وهؤلاء الجيل الثاني، ولكن الجيل الأول وجد مطرب اسمه إسماعيل العبيدان وآخر إسماعيل القطري وكانا من النهامين وذلك حسب الشهادات التي وصلتني في رحلة البحث، وكانا مع غيرهم النواة الأولى للطرب في قطر ولكن لم يكن هناك تسجيلات لغيرهم خلال هذه الفترة وبالتالي تم ذكر من له مصدر يؤكد مساهمته في الغناء، وبالطبع كان هناك آخرون من الفرق الشعبية لكن لم يحتفظ لهم بأرشيف ويتم تداول أشياء لهم لا ترتقي إلى المصادر. ولهذا اعتمدت أن هذين الشخصين هما أول من مارس الطرب وكانوا نهامين أصلًا.
أما المرحلة الثانية وتغطي الخمسينيات وفيها برز سالم فرج وإدريس خيري وعبدالكريم فرج رحمهم الله، ثم المرحلة الثالثة الستينيات وفيها برزت جهود عبدالعزيز ناصر، رحمه الله، وفيه برز مطربون جدد ومنهم محمد جولو وعلي عبدالستار، ومحمد رشيد ومن الملحنين حسن علي، وهؤلاء ظل بعضهم في الدوحة وانتقل بعضهم للدراسة في القاهرة ومنهم عبدالعزيز ناصر وعلي عبدالستار ومحمد رشيد والملحن عبدالرحمن الغانم، والدكتور مرزوق بشير من الكتاب. لتأتي المرحلة الرابعة وأسميها المرحلة الرومانسية وظهر خلالها محمد المرزوقي كملحن وكذلك الملحنون مطر علي وعبدالله المناعي وحسن حامد، وفيها الفيصل أيضًا، ثم فيصل التميمي وآخرون هؤلاء ساهموا في إخراج الجيل الرابع من المطربين فظهر فهد الكبيسي وعلي الريس، عيسى الكبيسي، أحمد عبدالرحيم، ليأتي شباب آخرون من بعدهم ملحنون كثيرون ومطربون وشعراء.

وكيف تعاملت مع هذه المراحل في الكتاب والتبويب؟
هؤلاء أنتجوا أعمالًا كثيرة جدًا، فقمت بوضع الكتاب في بابه الأول في خمسة فصول بوضع مختارات تعتبر مجالًا للبحث فمثلًا تم التقسيم إلى كل من الأغنية الوطنية، والعاطفية، والإنسانية والرياضية وأخيرًا الأغنية التراثية وجاء اختيار هذه الأقسام من خلال رؤيتي النقدية، وقد اخترت من كل الأطياف نماذج مختارة وهذا يعني أنني إذا نسيت أغنية أو مطربًا فهذا لا يعني تعمدًا ولكن أقدم رؤية أو اتجاهات مختارة، وكان الاختيار من أيام خيري، وعلي الراشد إلى اليوم من المطربين الشباب مثل نايف البشري..

هناك قضايا فيها جدليات وتعرضت لها في الكتاب في الأغنية القطرية والخليجية ولغة الأغنية القطرية وإيقاعها.. فما هي أهم النتائج التي توصلت إليها؟
من الجدليات التي عاصرتها خلال خمسين سنة جدل الصوت الخليجي، وهو موضوع تراثي قديم وسألت مجموعة من الخبراء من البحرين وعمان والكويت وتوصلت إلى أن الصوت الخليجي موغل في القدم، حتى أن بعض الترانيم الموجودة بالصوت الخليجي أو في الفجري الفن البحري من الطقوس الكنسية في عهد النسطوريين المسيحيين أي ما قبل الإسلام، وهذا وثقته حسب الشهادات الثقة، كما رأى البعض أن الصوت الخليجي حسب ما ورد ذكره في كتاب الأغاني موجود من أيام الدولة العباسية ولكني توصلت أن كل أغنية كان يطلق عليها لقب صوت وتراكيبها الفنية واللحنية تختلف عن الصوت، كما توصلت إلى أن الصوت نشأ في الحجاز عندما ذهب شخص يسمى العيسائي إلى الهند وتقابل مع الشاعر عبدالله الفرج، ولذلك ينسب الكويتيون الصوت إلى عبدالله الفرج، وهذا كان مثار بحث آخر، فيما ينسبونه في البحرين إلى ضاحي بن وليد ومحمد فارس، وهذه الأسماء جعلتنا في شك في أصل الصوت الخليجي، لأقول في النهاية إن الصوت الخليجي ضارب في القدم وما زال البحث جاريًا للتحقق من أصوله، وأتمنى أن يتواصل هذا البحث لأنه لا يوجد حسم حتى الآن.
وأضاف أنه من الجدليات التي تعرض لها جدلية لغة الأغنية القطرية، ونحن في قطر لدينا بيئات مختلفة فالشعر الذي يقال في الشحانية يختلف تركيبًا ومعنىً وإيقاعًا عن الشعر في مشيرب، فعندما نرى قصيدة للشاعر فالح العجلان ونقارنها بالدكتور مرزوق بشير نجد اختلافًا واضحًا، وبخصوص الإيقاع هناك جدل بين جيل الشباب الذي أخذ لونًا معينًا وهو «الخبيتي» وذهب فريق من المحافظين إلى ضرورة الحفاظ على الإيقاع الخاص بالأغنية القطرية، فيما ذهب آخرون خاصة من الشباب والمطربين وقالوا إن الأغنية لا تحد بحدود ولا يجوز أن نقيدها بقطرية محددة وهذا ناقشته باستفاضة مع كثير من الفنانين لأتوصل إلى أن التطور طبيعي فمثلًا الموسيقار الراحل عبدالعزيز ناصر أتى بالأغاني التراثية من أفواه المغنيات أصحاب الفرق لكنه طورها، واليوم ما يقوم به الشباب هو نوع من التطوير سواء في الإيقاع أو اختيار الكلمات فهذه حتمية زمن ولا يجب أن ننفر منها.
وتابع أنه تعرض لجدلية أخرى في هذا الباب تتعلق بالأغنية الإلكترونية ويقصد بها التي تسجل عن بعد دون التقاء أضلاع الأغنية، وقد كان ذلك ناتجًا عن تأثير كورونا، فيقوم الملحن بإعداد اللحن ويتم التوزيع إلكترونيًا ثم يتم إدخال صوت المطرب ربما خارج الدولة وهذا يوفر تكلفة السفر والوقت وهناك من أيد هذا النوع، فيما رأى المحافظون أن هذا النوع يجعل من الأغنية «روبوتية» بخلاف أن المواجهة تمكن من الإصلاح والتعديل كما يطرأ على رئيس الفرقة أن هذا الموضوع يحتاج إلى آلة معينة بخلاف الأغنية الإلكترونية..

وماذا عن طبقات الشعراء خلال الفترة الزمنية التي عالجها الكتاب؟
يجب أن نفرق بين الشعر الغنائي والفلكلور، فالأولون اعتمدوا على كلام الفلكلور، وهؤلاء غير معروفين ولكن هناك شعراء برزوا مع ظهور الأغنية القطرية مثل عبدالله السادة ومنهم مرزوق بشير، مبارك بن سيف آل ثاني، حسن حسين، خليفة جمعات، جاسم صفر، محمد بن عبدالوهاب الفيحاني وعبدالرحمن المناعي وغيرهم كثير والكتاب ذكرت في الأغاني المختارة كل الشعراء لأنه لا يمكن حصر كل الأسماء أو الأغاني القطرية.

وما هي أهم التحديات التي واجهتك خلال إعداد الكتاب؟
للأسف وجدت أحيانًا عدم تجاوب بعض الفنانين، مقارنة بالملحنين الذين استقبلوني بشكل جيد، كما كانت قلة المصادر أحد أهم التحديات. ولابد أن أشير هنا إلى التعاون الوثيق مع وزارة الثقافة والرياضة وتكليفي بإعداد الكتاب وتشجيع سعادة صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة.

الحديث عن ذكر دور وزارة الثقافة يذكرنا بباب خاص خصصته للمؤسسات التي ساهمت في دعم الأغنية القطرية.. لو تحدثنا عن هذا الجانب؟
الكتاب يعتبر مرجعًا وبالتالي لا ننكر جهود أشخاص ومؤسسات في دعم الأغنية القطرية وشملت إذاعة قطر، مراقبة الموسيقى والغناء، إذاعة صوت الخليج، تلفزيون قطر، مهرجان الأغنية القطرية، معهد الموسيقى، فرقة الأضواء القطرية، الفرق الشعبية في قطر وتناول هنا أنواع الفنون الشعبية، محطات اف ام الخاصة، حتى لم نغفل ليلة الأغنية القطرية في نسختيها الأولى والثانية ليكون الكتاب شاملًا حتى عام 2020.

وهل تمت الإشارة في الكتاب إلى التعاون بين المطربين أو الملحنين مع الفنانين والشعراء العرب؟
بالفعل تم ذكر هذا التعاون فمثلًا عبدالعزيز ناصر قدم ألحانًا لنزار قباني وهارون هاشم رشيد، حتى التقنيين أو الموزعين أو غيرهم، فمثلًا علي عبدالستار تعاون مع ملحنين من اليمن ومن السعودية، ومن هنا صار الاندماج بين الأغاني وهنا كان الرأي الذي رأى بضرورة خروج الأغنية من قطريتها القطرية، فنجد أن من نجحوا جماهيريًا كان لهم التواجد العربي فقد انتشر مثلًا علي عبدالستار في القاهرة خلال السبعينيات وهكذا.
وماذا عن الأبواب الأخرى بالكتاب؟
تم تخصيص باب شهادات في الأغنية القطرية سجلت فيها الكثير من الأصوات المعاصرة ورؤاهم، إلى جانب باب عرضت فيه صورًا لفناني قطر قديمًا وحديثًا. جدير بالذكر أن الدكتور أحمد عبد الملك ولد في عام 1951، وحصل على ليسانس في الآداب العربية من جامعة بيروت العربية عام 1976، وعلى درجة الماجستير في الإعلام التربوي من جامعة مدينة نيويورك – بافلو – بالولايات المتحدة سنة 1983، ثم حصل على الدكتوراه في الصحافة من جامعة ويلز في بريطانيا عام 1989.