شهد مقر جناح الملتقى القطري للمؤلفين بمعرض الدوحة الدولي للكتاب في دورته الثلاثين، جلسة تدشين ومناقشة الكتاب الجديد للأستاذ عبدالعزيز بن محمد الخاطر، والمعنون بـ “النظام المعرفي في المجتمع القطري”، والصادر عن مجموعة دار الشرق حديثاً، ضمن الكتب الثلاثة الجديدة التي أصدرتها الدار، وترفد بها المكتبات المحلية والعربية، ويقدمها جناحها في معرض الكتاب حالياً.
الكتاب يضم كنوزاً من الأفكار والمفاهيم والتفسيرات التي تجيب على الكثير من التساؤلات المتعلقة بالشأن المعرفي والإنساني والاجتماعي، ويحتضن الكتاب أربعة فصول، لكل فصل عنوان مستقل فالفصل الاول يتحدث عن النظام المعرفي في المجتمع القطري والفصل الثاني يسلط الضوء على عدد من المقالات التي نشرها الكاتب في صحيفة الشرق، أما الفصل الثالث فيتحدث فيه الكاتب عن ذاكرة المكان ومدى ارتباط الفرد بهذه الذاكرة، بينما يأتي الفصل الرابع في عنوان “يوميات” وهو عبارة عن مقالات اجتماعية يجيب من خلالها الكاتب على العديد من التساؤلات.
تطرق الكاتب الأستاذ عبدالعزيز بن محمد الخاطر خلال تدشين كتابه “النظام المعرفي في المجتمع القطري” إلى النظام المعرفي في المجتمع القطري، الذي بدأ بالتشكل منذ انطلاق لحظتين تاريخيتن مر بهما هذا المجتمع حيث قبل ذلك لم يكن مجتمعا بقدر ما كان تجمعاً لأن المجتمع لابد أن يملك وعيه بذاته كمجتمع وليس كذوات أصغر من ذلك سواء أفرادا أو قبيلة أو طائفة، لافتاً إلى أن لفهم أي مجتمع لابد من ملاحظة واستكشاف النظام المعرفي السائد فيه وكيفية تشكله من فترة إلى أخرى، ومدى ارتباطه بالوعي السائد.
وعرف الخاطر النظام المعرفي – حسب فوكو- بأنه الأرضية التي تقوم عليها معرفة عصر معين وهو المرتكز الأساسي لخطاب ذلك العصر والفضاء الذي تنتشر فيه موضوعاته، والمجال الذي يفرض فيه اكراهاته، موضحاً أن بنية النظام المعرفي للمجتمع القطري تقوم على صدفتين إحداهما جغرافية والأخرى تاريخية أفرزتا نظاما معرفيا أولياً لم يكن نتاج مجتمعي تاريخي، بقدر ما كان نتاجا لبعدين ما ديين هما “الريع” حيث الصدفة الجغرافية والوضع الاجتماعي السائد حيث الصدفة واللحظة التاريخية التي مكنت للسيطرة على المجتمع وفرض رؤية أو نظام معرفي معين، متعلق فقط بمصلحة هذه البنية.
كما أشار الخاطر إلى أن الأنظمة المعرفية السائدة في مجتمعاتنا العربية هي أنظمة إكراهات وليست أنظمة إنسانية بمعنى ألا تستجيب للمطالب الإنسانية للشعوب إلا تحت الإكراه، موضحاً ذلك بسبب انشطار وصراع للنظام المعرفي العربي بين جزئه الإيديولوجي الموروث كالدين والعادات والتقاليد الاجتماعية وبين جزئه المتحقق من اقتناص الفرصة أو الصدفة سواء الجغرافية “الثروة” أو التاريخية “القبيلة أو العسكر”.
في لقاء خاص مع “الشرق” أوضح الكاتب الاستاذ عبد العزيز بن محمد الخاطر، أن جمع مقالاته في كتابه “النظام المعرفي في المجتمع القطري” كانت مبادرة من “دار الشرق” كونه أحد كتابها، لافتاً إلى أن كتّاب الرأي في قطر قليلون وفي انحسار شديد وقال: “أنا كاتب رأي وكُتاب الرأي في قطر قلة جداً ويتناقصون مع الأسف، ولولا إصراري لتوقفت عن الكتابة، لكن إيماني بأن القيادة ممثلة في حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، يهمها الاستماع الى الرأي وليس بالضرورة الأخذ به جعلني استمر واتجدد”، مؤكداً أن المقالات الفكرية التي يكتبها ويكتبها غيره صالحة لوقت طويل، وقال إن هناك مقالات كتبها منذ عشر سنوات لا يزال لها تأثير وصدى في المجتمع، وأن بعضها يحتاج إلى أرشفة وليس الكل.
وحول المشهد الثقافي في الدولة قال الكاتب الأستاذ عبدالعزيز بن محمد الخاطر، إن هناك حركة في المشهد الثقافي إلا أنها حركة دولة لا مجتمع، وهذا لا يكفي إذ لا بد للمجتمع أن ينشئ حراكه الاجتماعي وأن تكون الدولة في محل الرقابة على هذا الحراك، مشيداً ببروز عدد كبير من الكتّاب المحليين، خصوصا الإناث، وأن الجيل الحالي جيل مبدع لديه قدر كبير من المعرفة وإدراكه السريع لكل ما يحدث حوله.
وعن رأيه في معرض الدوحة للكتاب هذا العام قال إن المعرض أصبح أقرب الى شكل مهرجان درب الساعي من حيث المساحات الواسعة والمقاهي الكبيرة بينما انزوت دور الكتب في الأرجاء والزوايا، داعيا الى العودة لنظام المعرض السابق الذي يراه الأفضل، فمعارض الكتب لابد أن تخصص للكتب لا للترفيه، موضحاً أن عادة “توقيع الكتب” في معارض الكتاب لا تعدو كونها أكثر من (شو) إعلامي فقط، ولا ترتقي لان تكون ثقافة.
كما أكد أن معارض الكتاب تظاهرة جيدة بشرط أن يطغى عليها الكتاب، وأن يكون محورها الرئيسي الكتاب، ثم تأتي الندوات والمحاضرات والفعاليات المصاحبة الأخرى لاحقا، لافتاً إلى أهمية أن تكون الندوات غير موجهة وغير انتقائية بحيث يترك الخيار أمام المتلقي.
وفي نهاية لقائه مع “الشرق” وجه الكاتب الأستاذ عبدالعزيز بن محمد الخاطر شكره وتقديره لدار الشرق والقائمين عليها، وخص رئيس تحريرها الأستاذ صادق بن محمد العماري لحرصه على الكاتب القطري، وتأكيده على أهمية استمراره في دعم مسيرة الثقافة المحلية والخليجية والعربية، متمنياً للصحافة في قطر المزيد من التطور والازدهار والنجاح.
أوضح الكاتب الأستاذ عبدالعزيز بن محمد الخاطر في كتابه المعنون بـ “النظام المعرفي في المجتمع القطري”، أن هنالك ثلاثة أنماط من أشكال النظام المعرفي سيطرت على المجتمع القطري تتمثل في بداية الستينيات حتى بداية السبعينيات وكانت تتوافق مع الطبيعة والتي هى السمة الغالبة للنظام الاجتماعي، من السبعينيات حتى منتصف التسعينيات، كما كان التموضع والاتزان سمتي النظام المعرفي السائد وهو تمكين المتعلمين من القطريين من مفاصل الوظائف وقيام طبقة وسطى حكومية، ومن منتصف التسعينيات وما بعده أصبح هناك خطاب معرفي طموح يرى أن له دوراً على المستوى ليس فقط المحلي أو الإقليمي بل وحتى العالمي، ليصبح هناك نوع من الدفع نحو وعي جديد أحدث نوعا من الاهتزاز بين الفرد وبيئته الجغرافية والتاريخية التي كانت تمثل له محور الاتزان والتوافق.
الكاتب عبد العزيز بن محمد الخاطر حاصل على بكالوريوس في علم الاجتماع، وماجستير في الإدارة وكاتب رأي في صحيفة الشرق حيث تأتي مقالاته المنشورة في كتاب (النظام المعرفي في المجتمع القطري) ضمن سلسلة من المقالات التي نشرت خلال الفترة ما بين سبتمبر 2018 حتى أكتوبر 2019.