شهد العام 2021، زخمًا ثقافيًا متنوعًا في مختلف المجالات الإبداعية، فعلى الرغم من تداعيات جائحة “كورونا”، وما خلفته من آثار، إلا أن المشهد الثقافي استطاع مجابهتها، بإعادة الحياة إلى زخم التأليف الإبداعي، بالإضافة إلى إقامة الفعاليات الثقافية المختلفة، وذلك بعد تخفيف القيود، وإعادة الحياة اليومية إلى طبيعتها.
هذا الزخم الثقافي، يعكس أن العام الجديد، والذي نترقبه بعد أيام قليلة، يؤشر إلى أنه سيشهد حراكًا من نوع آخر، يتمثل في حراك ثقافي جديد، مع عودة إقامة معرض الدوحة الدولي للكتاب في دورته الحادية والثلاثين، تحت شعار”العلم نور”، والمقرر إقامته خلال الفترة من 13 إلى 22 يناير المقبل، بعدما تسببت آثار “كورونا” في تجميد إقامة هذه النسخة خلال العام الذي يكاد يودعنا بعد أيام قليلة.
ولعل في هذا الإعلان عن إقامة المعرض خلال الفترة المشار إليها، ما يجعل حدث الإعلان ذاته، من الأحداث الثقافية المهمة، التي شهدها العام 2021، إذ أن عودة إقامة المعرض في موعده، والذي اختطه لنفسه قبل عدة أعوام، يشير إلى سيرورة الحياة الثقافية، والرغبة في ديمومة إقامة هذا المعرض، الذي تشرف عليه وزارة الثقافة، وينظمه مركز قطر للفعاليات الثقافية والتراثية، التابع للوزارة، حيث يعد المعرض أول معرض خليجي للكتاب، عندما انطلق عام 1972 ليكتسب بعدها صبغة دولية بعد نجاحه في استقطاب أكبر وأهم دور النشر في العالم، حيث بلغ عددها في أول معرض 20 داراً للنشر، حتى وصلت دور النشر المشاركة في دورته الأخيرة إلى 335 دار نشر مثلت 31 دولة عربية وأجنبية.
رصيد ثقافي
ومن أبرز الأحداث الثقافية التي شهدها العام الحالي، اختيار الدوحة عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي 2021، حيث جاء هذا الاختيار بعد استيفاء العاصمة للشروط التي جعلت منها منارة ثقافية في سماء العالم العربي والإسلامي، وهو اعتراف برصيد الدوحة الثقافي إسلاميًا، بالإضافة إلى كونه يرسخ مساهماتها الحضارية بما تحتضنه من صروح ومعالم ثقافية وإسلامية متعددة وشاهدة في الوقت نفسه على عراقة وأصالة شعبها، فضلًا عما تتسم به من ثراء حضاري.
وشكل يوم 8 مارس الماضي، يوماً تاريخيًا للثقافة القطرية، إذ شهد انطلاق أولى فعاليات هذا الحدث الثقافي، تحت شعار “ثقافتنا نور” وسط اهتمام إسلامي بالثقافة القطرية، وجذورها الراسخة في عمق التاريخ، بكل ما تزخر به هذه الثقافة من معالم تراثية وتاريخية، وإبداعات تعكس جذورها الإسلامية.
ومنذ انطلاق هذا الحدث الثقافي الكبير، تتواصل الفعاليات بإشراف وزارة الثقافة، وبالتعاون مع منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “الإيسيسكو”، واللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم، والشركاء الإستراتيجيين بالدولة، وذلك وفق برنامج أعدته الوزارة بالتعاون مع الشركاء الإستراتيجيين والجهات المشاركة، بما يعكس أصالة الثقافة القطرية، وجذورها الإسلامية العميقة.
وتحت رعاية سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة، تم إطلاق الدورة التاسعة لجائزة الدولة لأدب الطفل، لتبدأ الجائزة في تلقي ترشيحات الأعمال المشاركة في هذه الدورة، مع مطلع العام الجديد 2022، وذلك حتى نهاية أبريل 2022، وتشمل مجالات الجائزة في دورتها الجديدة: القصة والرواية، الشعر، النص المسرحي، أغاني الأطفال، الدراسات الأدبية. وجاءت هذه النسخة من الجائزة لتشهد تحولاً نـحو اعتماد الأعمال المنشورة في التنافس على نيل الجائزة، والتي كانت مقصورة على الأعمال غير المنشورة سابقًا، وجاءت هذه الخطوة لدعم المبدعين والمثقفين بعد تبعات جائحة كورونا، وتشمل هذه الدورة الأعمال المنشورة في أعوام 2019، 2020، 2021.
كما شهد ذات العام، إعلان وزارة الثقافة عن فتح باب الترشح لجائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية في العلوم والفنون والآداب، لتعزز مثل هذه الجوائز النوعية مكانة الثقافة القطرية في مختلف مجالاتها، وفي الوقت نفسه تعكس حالة الحراك الإبداعي الذي تشهده الدولة، فضلًا عن دعم المبدعين في مختلف المجالات التي تشملها مثل هذه الجوائز.
مبادرات إبداعية
وما يعكس حالة الزخم الثقافي، الذي شهدته الدوحة على مدى العام 2021، أنه خلال ستة أشهر فقط، دشنت وزارة الثقافة، ممثلة في الملتقى القطري للمؤلفين حزمة من الإصدارات المتنوعة، غطت مختلف المجالات، ومنها الجوانب الأدبية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، حيث بلغت جملة الإصدارات التي تم تدشينها خلال النصف الأول من العام الحالي أكثر من 160 إصدارًا، لتتواصل بعدها حركة تدشين الكتب، وكذلك تدشين الملتقى لموقعه الالكتروني، والذي تضمن السير الذاتية للكُتّاب، بالإضافة إلى إطلاقه لحزمة أخرى من المبادرات لتنشيط الحراك الأدبي والثقافي عموماً، بجانب إطلاقه مبادرة لترجمة الأعمال للكتاب القطريين بالتعاون مع إدارة الإصدارات والترجمة في وزارة الثقافة، ليتم ترجمة عدد من الكتب إلى بعض اللغات الأجنبية، على أن تكون لكتاب قطريين أو كتب تتحدث عن قطر في أي مجال من المجالات شريطة أن يكون العمل مناسبًا للبيئة الثقافية المترجم لها.
وصاحب هذا الحراك الأدبي، أيضًا، تدشين إصدارات أخرى، منها تلك التي دشنتها إدارة الإصدارات والترجمة، لعدد من الإصدارات، منها كتاب “هناك” للكاتب الفنان عبدالرحمن المناعي، بالإضافة إلى كتاب “مقالات الأديب القطري الراحل خليفة بن عيد الكبيسي”، وهو عبارة عن مقالات أدبية واجتماعية وثقافية تم نشرها في مختلف وسائل الإعلام المحلية، وهو من إعداد الكاتب والباحث علي بن عبدالله الفياض، وجميعها إصدارات تعكس مدى الجهود الرسمية المبذولة لنشر الإبداعات القطرية المتميزة، بما يثري بدوره المكتبة القطرية.
تشجيع النشر والتأليف
وتشجيعًا لحركة النشر والتأليف والقراءة في آن، نظمت وزارة الثقافة، ممثلة في ملتقى الناشرين والموزعين القطريين بالتعاون مع دار كتارا للنشر، النسخة الثانية من فعالية شارع ابن الريب الثقافي في المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا)، مستهدفة نشر ثقافة القراءة والمُطالعة لدى جميع فئات المجتمع، وتنشيط الحراك الثقافي في الدولة، وذلك بمشاركة 15 دار نشر قطرية، وشهدت هذه النسخة من الفعالية مشاركة مكتبة “ألف” لأول مرة، كما أقام الملتقى جناحًا خاصًا به، وجاءت هذه الفعالية في محاولة لتسهيل وصول القراء إلى دور النشر القطرية، ومواكبة جديد إصداراتها في مكان واحد، والإسهام في نشر ثقافة القراءة لدى الجمهور، ودعم دور النشر المحلية التي نشطت وانتظمت بقوة في عالم الكتاب والنشر في الآونة الأخيرة.
كما شهد ذات العام، إطلاق الملتقى لهويته الجديدة، وتعكس اهتمام دولة قطر بطباعة الكتب ونشر المعرفة منذ تأسيسها، انطلاقًا من تلك الخلفية التاريخية التي ترصد دور المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، طيب الله ثراه، ومعه الآباء والأجداد بوضع بذرة دوحة المعرفة والوجدان في ظروف صعبة، وأن الكتاب احتل مكانة بين جميع القطريين، ليكون مصدراً أساسياً من مصادر المعرفة، وصمام أمان لوجدانهم، ولذلك قامت قطر بطباعة العديد من أمهات الكتب في الهند ومصر، وتم توزيع هذه الكتب، حيث حُملت بعدها على متون السفن إلى الدوحة، فوزعت على طلاب العلم في ضواحي قطر، كما نُقلت على ظهور الإبل إلى بعض أقاليم الجزيرة العربية وحواضر العراق.
ولم يغفل الملتقى فصل الصيف الفائت، إلا وشجع خلاله على القراءة، حيث أطلق مبادرة “جليس الصيف”، وذلك للتعريف بالكتاب القطري عبر اختيار مجموعة من الكتب الصادرة عن دور النشر المحلية ووزارة الثقافة، بالإضافة إلى توثيق العلاقة وتوطيدها وتنميتها بين الملتقى والشخصيات الثقافية والإبداعية محليًا.