بمشاركة حشد كبير من المبدعين والمتخصصين في الكتابة الدرامية والفنون المسرحية والتلفزيونية والسينمائية في قطر والدول العربية، انطلقت أمس النسخة الثانية من ملتقى كُتّاب الدراما، الذي تنظمه وزارة الثقافة والرياضة، ويستمر لمدة يومين، تحت شعار «التصورات الكبرى في الدراما العربية بين راهن المضمون الفكري وأفق التجربة الجمالية». استهل الافتتاح بكلمة لسعادة صلاح بن غانم العلي، وزير الثقافة والرياضة، أكد خلالها أهمية التصورات الكبرى التي تعبر عن أسس النظرة للعلم والعمل والمعرفة والعدالة الإنسانية، «وهو الأمر الذي يتطلب كُتّاباً يتمتعون بالشجاعة والمصداقية والشفافية». وقال سعادته: «نسعى لأن يكون الملتقى أرضاً خصبة وبيئة مناسبة للمبدع العربي، وأن يكون دوحة تلتقي فيها طيور الثقافة والمعرفة من كل مكان». داعياً كُتّاب الدراما والفنانين إلى الولوج في أعماق بحر الوجدان العربي، لاستخراج مكامن القوة في التراث والثقافة العربية، لما تتسم به الثقافة العربية والتراث من قيم وأخلاق، وإسقاط ذلك على واقع الدراما العربية. وأكد أن العالم العربي يزخر بالمفكرين والكتاب والمبدعين وخاصة الشباب، الذين يمكنهم التعبير عن التصورات الإنسانية الكبرى والأبعاد الثقافية، لافتاً إلى أن من بين هذه التصورات الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحرية، «وكل ذلك يحقق نهضة مجتمعاتنا العربية من خلال أعمال درامية يجب أن تترجم هذه التصورات، بما يؤدي إلى تنمية الوعي، والارتقاء بالوجدان، وتعزيز القيم». وحذر من خطورة الوقوع في النمطية أو التمييز بسبب اللون أو الجنس أو العرق، مؤكداً اهتمام الوزارة بتوصيات ومخرجات الملتقى، بما ينعكس إيجابا على واقع الدراما العربية، «ومن هنا كانت الاستجابة باستحداث أول جائزة عربية للكتابة الدرامية تنطلق من الدوحة، استجابة لتوصيات الملتقى الأول». وقال سعادته: إن «هذه الجائزة حققت نجاحاً كبيراً على نحو ما تعكسه المشاركات، والتي وصلت إلى 820 عملاً إبداعياً في مجالاتها الثلاثة شاملة في ذلك المبدعين بالوطن العربي، ونظراءهم في دول المهجر. وبدوره، وصف السيد حمد محمد الزكيبا، مدير إدارة الثقافة والفنون ورئيس اللجنة المنظمة للملتقى، الدراما بأنها «مهمة، ونؤمن بقدرتها على التغيير، والمساهمة في تحقيق أحلام شعوبنا في غد أفضل ومجتمعات أكثر تطورا ورقيا ووعيا». وقال إنه من هنا تتجلى أهمية الكتابة الدرامية لدورها في تنمية الوجدان وتعميق الوعي ورفع مستوى الثقافة وتكريس الهوية. صلاح الملا : هدفنا الوصول إلى عقل ووجدان المتلقي التصورات الكبرى للدراما العربية تطرح نفسها على مناقشات اليوم الأول شهد الملتقى في يومه الأول جلستين، أدارت الأولى الإعلامية الدكتورة إلهام بدر، وشهدت الجلسة تقديم ورقتي عمل الأولى بعنوان»الدراما العربية بين جماليات السرد وإشكاليات الخطاب، وقدمها الناقد السينمائي كمال بن وناس، فيما قدم الورقة الثانية د. محمد خير الرفاعي، متخصص فنون درامية، ودارت حول «الحاضر والغائب من التصورات الكبرى في الدراما العربية». وأكدت الدكتورة إلهام بدر أن مواجهات العالم تتجلى في مواجهة التصورات الكبرى، «ومن ثم تأتي أهمية الملتقى، ليكون فرصة أمام الكاتب ليلتقط هذه التصورات، ومن ثم يقوم ببلورتها». وبدوره، قال وصف كمال وناس، الملتقى بأنه فرصة لإيلاء الدراما أهميتها في بلورة خطاب ثقافي تنويري يكون فيه العمل الدرامي لا يقتصر على «الفرجة، ولكن ليصبح إفرازاً لخطاب نقدي». مشيراً إلى أن «الثقافة لا تُبرز إلا عن طريق الحديث عن الأثر الفني، كونها ليست انفعالات». وشدد د. محمد الرفاعي على الحاجة ليكون المسرح جزءاً من المنهاج الحياتي، سواء في المدرسة أو غيرها، وأن يكون ذلك مصحوبا بإرادة سياسية، داعياً إلى تفعيل دور النقد والإعلام. أما الجلسة الثانية، فقد تناولت ثلاث أوراق، جاءت الأولى بعنوان «من دراما الواقع إلى دراما الشاشة»، وقدمها السيد محمد اشويكة، الناقد السينمائي، ونفس العنوان، حمل ورقة د. فلاح زكي، مخرج درامي وروائي، فيما كانت الورقة الثالثة بعنوان «وجع المجتمع تحمله الدراما، وقدمها الفنان اللبناني د. جان قسيس. وأدار الجلسة د.عبد الحق بلعابد، الأستاذ بجامعة قطر. وتناول محمد اشويكة مفهوم الدراما باعتباره مفهوما ملتبسا، مرجعاً ذلك إلى الطفرة التي حققتها الدراما عبر الشاشة الصغيرة، لافتاً إلى أن الدراما قائمة بالواقع، وترتبط بعلاقة الإنسان بواقعه وعالمه. بدوره، أكد د. فلاح زكي أن الكاتب يعتمد على المؤثرات الصوتية والصورة وهو ما شكل نقلة نوعية في الأعمال الدرامية. لافتاً إلى استفادة الكاتب من هذا التطور، وقال إن «مهمة الكاتب هذه الفترة أصبحت صعبة، إذ يعمل مع المخرج على تناغم الصورة والفكرة». أما د. جان فرنسيس فشدد على أهمية أن تغوص الدراما العربية في عمق قضايا الواقع». وأكد أن الدراما منذ ولادتها، وهى تحمل معاناة إنسانية، وأنها قادرة على إحداث التغيير في المجتمع. قال الفنان صلاح الملا، مدير مركز شؤون المسرح، المدير التنفيذي للملتقى: إن النسخة الحالية من الملتقى تتميز بزخم المشاركة الكبيرة من المبدعين العرب في مجالات الدراما التلفزيونية والمسرحية والسينمائية. وأضاف في تصريحات خاصة لـ الشرق إن الوزارة رأت من جانبها الاستفادة من هذا الحضور الكبير للوصول بإسهاماتهم ومناقشاتهم إلى وجدان الإنسان العربي، خاصة أن مثل هذه المناقشات بحاجة إلى جهة حاضنة، «لتأتي الوزارة هنا حاضنة لتوصيات الملتقى، على نحو إطلاقها لجائزة الدوحة للكتابة الدرامية لتسهم مشاركات أصحابها في تنمية وجدان الإنسان العربي». ووصف الجائزة بأنها أحد مخرجات النسخة الأولى من الملتقى ما يعني أن الملتقى يضع أقدامه على الطريق الصحيح وصولاً إلى وضع إستراتيجيات يصل بها المبدعون إلى عقل المتلقي ووجدانه. أحمد البدر :عمق النقاش يقود إلى أطروحات للتنفيذ أعرب المؤلف والمخرج أحمد البدر عن أمله في أن تجد مناقشات الملتقى حيز التطبيق، خاصة أنها تأتي نتاجاً لمناقشات معمقة تعكس فكرة وأهمية مثل هذه الملتقيات. ولفت البدر في تصريحات خاصة لـ الشرق، إلى أن عمق النقاش سيقود إلى أطروحات قابلة للتنفيذ، مشدداً على ضرورة الاستفادة من الحضور الذين يمثلون خلاصة النخب المهتمة بالكتابة الدرامية، الأمر الذي يضفي على الملتقى أهمية كبرى.
12 نوفمبر, 2019
دعوة المبدعين إلى إبراز قوة التراث العربي
