تعدّ محاولاتُ الارتقاء بالفنونِ قديمة تضربُ بجذورها في عمق الفكر الإنساني، إلى أن وصلت في وقتنا الحالي إلى آفاقٍ جديدة، حيث أخذت طرق الاهتمام والتطوير أبعادًا مختلفة ما أنتج كَمًّا كبيرًا للغاية من المهرجانات والمسابقات العالمية والإقليمية، وهو الأمر الذي أعده البعض أبرز تلك الطرق من أجل التشجيع على الاستمرارية وتحقيق النجاح عبر التنافس، إلا أن الكثير من المبدعين حول العالم كانوا قد رأوا أن هذا الأمر يعد مكملًا لعملية التطوير، ويجب عدم الاكتفاء به، فطالبوا بعقد الاجتماعات وإقامة الملتقيات والخروج بتوصيات من شأنها الوصول إلى الأفضل، وهو الأمر الذي رأت وزارة الثقافة والرياضة بضرورة تطبيقه للنهوض بالدراما المسرحية والتلفزيونية من خلال إقامة جائزة للكتابة الدرامية.

فضلًا عن إقامة ملتقى خاص بكتّاب الدراما يخرج بتوصيات تساهم في تصحيح الأوضاع الخاصة بالمشهد الدرامي، ومع التحضير لموسم جديد من الجائزة، حرصت الراية على رصد آراء عددٍ من الفنانين وتطلعاتهم إزاء تلك الجائزة، وما ينتظرونه من ملتقى كتّاب الدراما، مع التعرف على آرائهم بشكل عام في ساحة الكتابة الدراميّة، وما يجب توافره للنهوض بالمشهد الإبداعي، كما تحدّثوا ضمن هذا السياق عن شكل الدعم الذي يحتاجه الكُتّاب من أجل النهوض بما يقدمونه، لكنهم اختلفوا في مدى قدرة الجائزة وحدَها على التحكم في كَمّ وكيف الإنتاج الدرامي، واتفقوا على ضرورة ترجمة الأعمال الفائزة إلى واقعٍ ملموسٍ يتمثّل في تحويلها إلى منتج مرئي.

د. كلثم جبر: الدراسة الأكاديميّة قادرة على النهوض بالمشهد

قالت الدكتورة كلثم جبر: إنَّ الكتابة الدرامية في قطر ما زالت محدودة، رغم أنَّ تجارب بعض المسارح قد بدأت مبكرة، مضيفة: إنَّ عدد كُتّاب الدراما في قطر يعدّون على أصابع اليد الواحدة، وأشارت إلى أنه للنهوض بالمشهد الفني والإبداعي في هذا السياق، لابدّ من الفهم المعمّق لهذا الفن عن طريق الدراسة الأكاديمية من خلال معهد أو كلية للفنون المسرحية، وعلى النقاد المتخصصين في النقد الدرامي أن يساهموا بآرائهم في هذا المجال لتشريح وتقويم النصوص الدرامية المقدمة للتنفيذ في المسرح أو التلفزيون، فالدعم الذي يحتاجه كُتّاب الدراما لابد له من التأسيس العلمي الجاد لمن يرغب في الاتجاه لهذا النوع الفني والإبداعي، من أصحاب المواهب الأصيلة، وهناك فرق بين الرغبة والإنتاج الذي لا يتحقق بالرغبة فقط، وتشجيع المبدعين بصورة عامة يقع على عاتق الجهات الرسمية المعنية، مشيرةً إلى أن هذه الجائزة لا بد أنها سوف تساهم في تشجيع كُتّاب الدراما من حيث الكم، أما من حيث الكيف فالأمر مقترن بشروط ربما لا تتوفر لدى معظم المتقدمين لهذه الجائزة، وقالت: أرى أن الحديث عن الجائزة وتأثيرها الكَمي والكيفي سابق لأوانه، والزمن كفيل بالإجابة عن ذلك، وقالت: على الرغم من أنه لا علاقة لها بكتابة الدراما، ولم يسبق أن كتبت نصًّا للتمثيل، لكن من الواضح أن هناك شحًا في الكتابة الدرامية بدليل تَكرار الموضوعات المطروحة في المسلسلات التلفزيونية إلى جانب سطحية معظم موضوعاتها، وقالت: من المنتظر أن يشهد ملتقى كُتّاب الدراما درسًا في مشاكل الكتابة الدرامية ويجد لها حلًا ناجعًا.

أحمد المفتاح: مطلوب الاهتمام بالتدريب على شتى أشكال الكتابة

أكّد الفنانُ أحمد المفتاح أهميةَ أن تكون هناك جائزةٌ معتبرة وشاملة للدراما ولكتّابها، حيث رأى أن العمل الدرامي يبدأ من النصّ المكتوب ومن ثم ينطلق للجمهور، لكنّه أكد على أن الموضوع يحتاج لتطوير، بحيث تتسع مجالات هذه الجائزة، وتقف على أرضية صلبة من الخطط واضحة المعالم. وقال: من المهم عقد ذلك الملتقى الذي يجمعنا بكتّاب الدراما المخضرمين، ولكن في اللحظة ذاتها هناك كتاب أصبحوا أرقامًا صعبة في بعض الأماكن، وأكثرهم من فئة الشباب الذين نسمع عنهم بين فترة وأخرى، وشدد المفتاح على ضرورة التدريب بشتى أنواعه وأشكاله من خلال الورش والدورات بشرط أن تتواصل وتستمر في بثّ روح المنافسة بين الكُتّاب. وأشار إلى أن بعض الكُتّاب لا يجدون الجهة التي تحتضن مواهبهم، ويعملون على تجسيد أعمالهم سواء في المسرح أو التلفزيون، أسوة بغيرهم من الكُتّاب الذين لا تتأخر أعمالهم في الظهور، ويجدون من يقف معهم ويساندهم، وقال: كلما كان هناك إيمان بموهبتهم وأقلامهم كانت البداية الحقيقية لظهور كُتّاب مميّزين للدراما، ومن ثم تأتي الأمور الأخرى من مُحاولة تفريغ الكاتب لهذه المهمة السامية والرسالة الهامة، التي مثلها مثل أي مهنة أخرى، ورأى المفتاح أنَّ تلك الجائزة قادرة على التحكم في «كيف» الإنتاج الدرامي في المقام الأوّل، أما «الكَمّ» فسوف يعتمد على عدد الكتّاب المقبلين على هذه الجائزة، التي من المفترض أن تساهم في إيجاد أرضية خصبة للإنتاج الدرامي المستمر والمتفاعل مع قضايا المجتمع.

علي ميرزا:الطموح يتجاوز الجائزة إلى ما بعدها

الفنان علي ميرزا، قال: على مدى عدّة سنوات، ونحن نتشرّفُ بجائزة الدوحة للكتابة الدراميّة ونرى فائزينَ يضعون الجائزةَ تحت إبطهم فرحين مسرورين، وكذلك حال القائمين على هذه الجائزة ذات الدلالة الكبيرة على دعم الإنتاج الدراميّ، وهذا بحدّ ذاته يصبُّ في مصلحة الحركة الفنّية القطرية ويعتبر حافزًا مشجعًا لكُتّاب الدراما التلفزيونية، وأنا فعلًا سعيدٌ ومُغتبط بوجود هذه الجائزة على مدى عدّة سنوات، وأضاف: لكنّي أتساءل، ما مصير النصوص التي فازت في ظلّ غياب الإنتاج الدرامي التلفزيوني، والتي لا شكّ أنّها حبيسة الأدراج حتى تجد من يتولى أمرها ويتصدر للعملية الإنتاجية، فبذلك تصبح هذه الجائزة ذات مردود فني يخدم حركة الإنتاج التلفزيوني الدرامي، أما في ظلّ غياب الإنتاج فتظلّ الجائزة حبرًا على ورق لا مردود من ورائه، وعلى ذلك قدّم تساؤلًا عن جدوى النصوص التلفزيونية الحائزة جائزةَ الدوحة للكتابة الدرامية دون أن تجد طريقَها إلى الإنتاج الفعلي الذي يبرز دور الدراما التلفزيونية المحلية من خلال نصوص فائزة بجوائز لكنها، لا تجد طريقًا إلى الإنتاج، وختم حديثَه مؤكّدًا أنّ الطموح يتجاوز الجائزة إلى ما بعدها وهي العملية الإنتاجية لهذه النصوص.

فاطمة العتبي: أتمنّى القضاء على الشللية الفنية

الكاتبة فاطمة العتبي قالت: إنّه من الصّعب أن يضع الكاتبُ سقفًا لطموحاته، لأنّه كلما وصل إلى نقطة يطمع للأعلى، وهي طبيعة النفس البشرية والمبدعين بصورة خاصة، وأكّدت الكاتبة أن السّاحة تزخر بطاقات شبابية رائعة وكُتّاب جيدين، إلا أنّ الشللية الفنية واقتصار الساحة على بعض الأسماء وتصدّرها المشهد وعدم وجود تكافؤ الفرض كلها مشاكل تُعاني منها الساحة بأكملها، وهو الأمر الذي أتمنّى الانتهاء منه، أما عن شكل الدعم الذي يحتاجه كُتّاب الدراما والروائيون من أجل النهوض بما يقدّمونه، فقالت: أعتقد أن الدعم المعنوي مطلوبٌ بصورة أكبر، كما أنّ وجود مؤسسات ترعى تلك الكتابات والمواهب أصبحت ضرورةً ملحة، وحول الجوائز بصورة عامة، قالت: من وجهة نظري، لا أحب تقييم عمل بناءً على حصده جائزة ما، فالكاتبُ لا يكتب من أجل ذلك، إنما يكتب ليعبر عن رأيه، والكثير من الأعمال الرائعة لم تحصل على جوائز، وبالمقابل هناك أعمال دون المستوى، سبق أن حصلت على جوائز.

حمد التميمي:نحتاج أساليب وأفكارًا ورُوحًا جديدة

الكاتبُ حمد التميمي أكّد أنّ ملتقى كُتّاب الدراما الذي يعقد سنويًا تحت إشراف وزارة الثقافة والرياضة يعدّ من بين أهم الفعاليات الثقافية التي ينتظرها الكتّاب في قطر، حيث إنه فرصة لاجتماع أهم كُتّاب الدراما في العالم العربي لمناقشة واقع الدراما، وللاستفادة من التجارب المختلفة، ومن أجل الخروج بتوصيات من شأنها أن ترتقي بمستوى الكتابة الدراميّة، وقال: طموحي ككاتب قطري يتمثل في الخروج من مرحلة الجفاف الدرامي التي تعيشها قطر وإرجاع أمجاد الدراما القطرية التي كانت منذ سنوات مرآة المُجتمع والتي كانت منافسة قوية في الدراما الخليجية، وأضاف: أطمح أن تكون هذه الجائزة فرصة لتسليط الضوء على نقاط ضعف الدراما المحلية وإيجاد حلول عملية وأن تقدم توصيات من أهل الاختصاص للارتقاء بالدراما ودعم كتّابها لا سيما من الشباب الذين يمتلكون قدرات كبيرة ومواهب استثنائية تحتاج فقط إلى بعض التشجيع، وأبدى أسفه كون كتّاب الدراما في قطر يعدّون على أصابع اليد الواحدة، وفي هذا السياق قال: لا أشكك في قدراتهم ومواهبهم، حيث تمكنوا من إثبات أنفسهم، لكنها نفس الأسماء التي يتم تداولها في السنوات الأخيرة، مع العلم أن الساحة الدرامية تحتاج أساليب وأفكارًا وروحًا جديدة تعيد شدّ انتباه المشاهد القطري الذي لم يعد مهتمًا بالأعمال الدرامية المحلية، لا سيما في ظل المنافسة الشديدة من الدراما الخليجية والعربية إجمالًا، فضلًا عن التركية، ولفت إلى أن الكاتب والروائي هو في المقام الأوّل فنانٌ، والفنان يحتاج الدعم المعنوي قبل المادي، ولا يمكن أن يبدع وتتفتح قريحتُه إن لم يشعر بالتقدير لإبداعه، لذلك كان لا بدّ من تشجيع الكاتب القطري وتحفيزه على الكتابة والتعريف به ومنحه الفرصة للتعريف بفكره ورسالته ونتاجه الفكري، وقال: إن الجائزة غيّرت وما زالت تغيّر الأفكار السائدة حول الكتابة الدراميّة، فهي فتحت المجال حسب رأيه للجميع، دون النظر إلى كاتب ذي خبرة أو مُبتدئ، فمقياسُها هو جودة العمل، كما أنّ الجوائز بصفة عامة تُحفز الكُتّاب على الإنتاج وعلى تجويد كتاباتهم.