بحضور سعادة صلاح بن غانم العلي، وزير الثقافة والرياضة، ووسط حضور جماهيري كبير، وفي حفل موسيقي رائع، أقيمت أمس على مسرح الشيخة المياسة بالمدينة التعليمية تقديراً لرياض السنباطي، الأمسية الموسيقية التي حملت اسم «الثلاثية المقدسة» والتي أشرفت وزارة الثقافة والرياضة عليها، وقدمها مركز شؤون الموسيقى بالتعاون مع أوركسترا قطر الفلهارمونية وبمشاركة 30 عازفا من تركيا.
شهد الحفل تقديم رؤية سيمفونية جديدة للمقطوعة الشهيرة (الثلاثية المقدسة) التي ألفها الملحن الراحل رياض السنباطي، واستمتع الحضور بعزف الثلاثية التي قام بإعداد وتوزيع الرؤية السيمفونية الجديدة لها الفنان التركي إسماعيل ظافر هازنيدار أوغلو بقيادة الملحن والقائد الموسيقي أورهان سالييل، وجاء اختيار رائعة السنباطي لتقديمها من خلال الحفل المنتظر لما له من مشروع تجديدي في الموسيقى العربية خلال المرحلة التاريخية التي عاصرها، وتقديرا لمجهود السنباطي الموسيقي قامت وزارة الثقافة بالإشراف على تقديم هذا الحفل الذي لا يعد مجرد نشاط ثقافي اعتيادي، ولكنه حفل استثنائي، وبالرغم من كونه يتضمن عملاً موسيقيا ضخماً لأحد أعلام الموسيقى العربية، إلا أن العزف الذي استمع إليه الجمهور لم يكن مجرد استنساخ لرائعة السنباطي ولكنه قدم معالجة ورؤية موسيقية جديدة لهذه الرائعة، وكأن السنباطي هو ملهم العمل، حيث قصدت وزارة الثقافة وضع لمسات معاصرة، بحيث تصبح الموسيقى متجاوزة للمرحلة التاريخية التي تم خلالها تأليف العمل، وهو الأمر الذي يجعلها تتوافق مع إيقاع الحياة الجديدة في القرن الحادي والعشرين، وعلى ذلك قصد من هذا العمل الموسيقي التعبير عن وحدة القيم الإنسانية والتفكير بأن ما تشترك فيه الإنسانية من قيم هو أكبر وأكثر من اختلافاتها، كما أن الرباط الإنساني هو رباط جوهري بين كل الشعوب بكافة الاختلافات العرقية والجغرافية.
ويأتي حرص وزارة الثقافة على تقديم هذا العمل من نابع إيمانها بقدرة الموسيقى على التأثير والتعبير عن القيم والمثل، ولعلمها أن الموسيقى لها أثر كبير على الإنسان، كما أن لها دورا هاما في المجتمع، وتشترك مع سائر الفنون في نحت شخصية الإنسان، وتحمل قيماً مثل العدل والحرية، كما تحث على العمل وضرورة التحكم في الوقت، وفهم معنى الزمن، فالموسيقى هي رافد من روافد الفنون التي تشجع الإنسان على أن يسمو بالمجتمع وتهذب شخصيته وتجعله فاعلاً في مجال عمله ووسط أسرته ومجتمعه.
وكان خالد السالم مدير مركز شؤون الموسيقى قد صرح قائلاً: إن وزارة الثقافة تمضي قدما في استراتيجيتها الرامية إلى نشر الوعي بين أبناء المجتمع وذلك من خلال الانفتاح على الثقافات وتقديم كل ما من شأنه الارتقاء بالذوق العام وكل ما يحتوي على رسائل إيجابية.
موضحا أن اختيار رائعة السنباطي لتقديمها من خلال هذا الحفل الكبير جاء في إطار التعاون مع موسيقيين عالميين لديهم رؤى فنية جديدة لأعمالنا العربية الخالدة وضمن المساعي التي تهدف لإعادة تجديد الموسيقى العربية وتقديرا لمجهود السنباطي الموسيقي.
ويقصد بالثلاثية المقدسة المدن الثلاث وهي مكة والمدينة وبيت المقدس وهي أماكن مقدسة، لعبت دورا حضاريا وتاريخيا في حياة شعوب المنطقة بل والعالم أكمل، حيث إن الرسالة التي مرت من تلك المدن هي رسالة إنسانية وعالمية، وعلى ذلك يحمل العمل الموسيقي المنتظر رسالة إنسانية موجهة لجميع الشعوب، من أجل نشر السلام وتشجع الإنسانية على ضرورة التآخي والمحبة والتقارب بين الناس، كما تؤكد أن حضارة الإنسان تقوم على رباط متين قوامه المودة.
وبالحديث عن الملحن المصري رياض السنباطي فإنه يعد من أبرز الفلاسفة الموسيقيين وكان لديه شغف كبير بالموسيقى العربية الكلاسيكية ونجح في الجمع بين الأنواع الموسيقية الشعبية والطرق الحديثة في مؤلفاته التي تتسم بالأصالة. فقد قام رياض السنباطي بتأليف أكثر من 500 أغنية كما أنه ارتقى بالموسيقى الكلاسيكية العربية بشكل غير مسبق، هذا بالإضافة إلى إسهاماته الفريدة من نوعها والتي تُعد مصدر إلهام لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم.
وفي الوقت الحاضر، صنفت المؤسسات والمنظمات الدولية مؤلفاته العديدة بوصفها «كنوز الثقافة العربية»، بما في ذلك منظمة «اليونسكو».
بالإضافة إلى مؤلفات «رياض السنباطي» الفنية منقطعة النظير والتي لا مثيل لها، كانت موهبته الفريدة من نوعها وأداؤه على العود ذات طابع مميز دائماً. وجاءت سنة «1979» ليصبح أول موسيقي عربي تكرمه منظمة «اليونسكو» بمنحه جائزة الموسيقى الدولية كأفضل عازف عود. كما أن العديد من «التقاسيم» و«العروض» الخاصة به مازالت نبراساً يهتدي به عازفو العود والموسيقيون الشغوفون بالموسيقى العربية الكلاسيكية.
قاد الأوركسترا الملحن والقائد الموسيقي أورهان سالييل وهو من مواليد عام 1968 مُنحدراً من عائلة موسيقية. وكرس نفسه للحياة الموسيقية حيث تعلَم «التلحين» والعزف على آلة «الباصون» و«البيانو» في إسطنبول، وأتم دراسة التأليف والقيادة الموسيقية في هولندا، ثم عكف بعد ذلك على دراسة قيادة الأوركسترا والأوبرا والجوقة في فنلندا.
‏‎وفي عامي 1993 و1994، عمل بوصفه قائدا للفرقة الموسيقية ومدير فني مساعد لـ«مهرجان كوهمو لغرفة الموسيقى» بفنلندا. ومنذ عام 1995، بدأ حياته المهنية في تركيا بتقديم معزوفة «سالومي» بقلم «ريتشارد شتراوس» في دار الأوبرا والباليه التركية دون قيامه بأداء تجريبي مُسبق (بروفة). وقد حقق هذا الأداء نجاحاً باهراً مما جعله قائداً للفرقة الموسيقية لدار الأوبرا والباليه التركية للسنوات الأربع التالية.
‏‎وبعد ذلك، أصبح القائد المؤسس لأوركسترا سيمفونية «إقليم بورصة» (1999-2011)، ثم القائد الموسيقي لأوركسترا سيمفونية «مدينة أنطاليا» (2011-2015). كما أنه ما زال القائد والمدير الموسيقى لأوركسترا سيمفونية منطقة «تشوكوروفا».
‏‎وطوال حياته المهنية، تولى القيادة الموسيقية للعديد من فرق الأوركسترا السيمفونية داخل تركيا وخارجها في عديد من الدول.
وقد تصدى لهذه الرؤية بالتوزيع الجديد الفنان إسماعيل ظافر هازنيدار أوغلو هو ملحن وموزع ومنتج موسيقي ينتمي إلى عائلة ذات خلفية فنية؛ إذ بدأ العزف على البيانو وهو في الثالثة من عمره. وبعد سنوات من التعلم الذاتي وعندما تم عامه الرابع عشر، بدأ في أخذ دورات خاصة في موسيقى الجاز بإشراف من الموسيقار التركي البارز ديريا ينر.
وفي السابعة عشر من عمره، بدأ مجال العرض المباشر كعازف بيانو. وركز أيضا على تعلم إيقاعات الطبل والعزف على الجيتار الصوتي. وفي تلك الأثناء، كان قد تخرج في المدرسة الثانوية وحصل على شهادة تقدير على ما ساهم به بشكل استثنائي بوصفه عضوا مؤسسا لقسم الموسيقى وقائدا للأوركسترا المدرسية التي تمكنت من حصد الجوائز تحت قيادته.
وفي عام 1990 برزت لديه مواهب أخرى في هذا المجال، فكان له السبق باعتباره أول موسيقي نجح في أداء العرض المباشر المدعوم بالكمبيوتر في تركيا.
وقد تم إطلاق أول مقطوعة موسيقية من تأليفه وتوزيعه عام 1994 وذلك أثناء دراسته الأكاديمية في مجال الإدارة المالية. وقد حصدت هذه المقطوعة جائزة «أفضل أغنية لهذا العام».
وامتدت مسيرته المهنية كملحن وموزع موسيقي على مدار 26 عامًا، كانت حافلة بالكثير من النجاحات والأعمال التعاونية مع الكثير من فناني الجاز والروك والبوب البارزين وكذلك أعلام الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الشعبية التركية وأيضا فناني البلقان الفولكلوري والموسيقى الخليجية والفلامنكو المعروفين، حيث حصدت هذه الأعمال أيضًا العديد من الجوائز.
وإلى جانب مشواره الفني الحافل هذا، شارك كذلك في تنظيم الأحداث الترفيهية المرموقة كمشرف إبداعي.